75

هل تجوز كتابة القرآن الكريم بغير الرسم العثماني من أجل الحفظ؟

السؤال: 588017

عندما أحفظ سورة من القرآن الكريم أكتبها على دفتر؛ لأنني لا أستطيع الحفظ بدون الكتابة، ولكني لا أكتبها بالرسم القرآني لها، واكتبها حسب اللفظ لها، فهل هذا حرام؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

ذهب جمهور أهل العلم إلى أن المصحف لا يجوز كتابته إلا بالرسم العثماني.

قال السيوطي رحمه الله: "وقال أشهب: سئل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا؛ إلا على الكِتْبة الأولى. رواه الداني في المقنع، ثم قال: ولا مخالف له من علماء الأمة.

وقال في موضع آخر: سئل مالك عن الحروف في القرآن الواو والألف، أترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك؟ قال: لا.

قال أبو عمرو: يعني الواو والألف والمزيدتين في الرسم، المعدومتين في اللفظ؛ نحو الواو في "أولوا".

وقال الإمام أحمد: يحرم مخالفة مصحف الإمام، في واو أو ياء أو ألف، أو غير ذلك.

وقال البيهقي في شعب الإيمان: من كتب مصحفا، فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به هذه المصاحف، ولا يخالفهم فيه، ولا يغير مما كتبوه شيئا، فإنهم كانوا أكثر علما، وأصدق قلبا ولسانا، وأعظم أمانة منا فلا ينبغي أن يظن بأنفسنا استدراكا عليهم" انتهى من "الإتقان في علوم القرآن" (1/ 168).

وفي هذا حفظ للقرآن وصيانة له من التحريف؛ إذ لو سُمح للناس أن يطبعوا المصاحف كل بطريقة كتابة، فيخشى من أن يصير كتاب الله ألعوبة بأيدي الناس، كلما عنت لإنسان فكرة في كتابته اقترح تطبيقها، فيقترح بعضهم كتابته باللاتينية، أو غيرها.

يقول د. فهد الرومي، حفظه الله، بعد ذكر الخلاف حول وجوب التزام الرسم العثماني، أو عدم لزوم ذلك:

« والراجح من هذه الأقوال، فيما أرى: هو أولها؛ إذ نص علماء السلف على وجوب التزام رسم المصحف، وتحريم مخالفته.

ونستدل على ذلك ما يلي:

1- أن القرآن كتب بهذا الرسم في عهد عثمان، وفيه كبار الصحابة، فتلقوه هم وبقية الصحابة حينذاك، وعددهم لا يقل عن اثني عشر ألفًا، بالقبول، ولم يعترض أحدهم على زيادة حرف أو نقصانه، وتلقاه من بعدهم التابعون ومن بعدهم؛ فلا يُترك هذا الرسمُ مراعاةً لجهل الجاهلين، وتقصير المقصرين.

2- أن الكتابة كغيرها من العلوم والمعارف تتغير وتتبدل، وتتطور من عصر إلى عصر ومن بلد إلى بلد، فلو كتب في عصرنا هذا على طريقتنا في الكتابة لاحتاج مَن في المغرب العربي إلى كتابته بصورة أخرى، واحتاج من الهند وباكستان إلى كتابة ثالثة، ولاحتاجت الأجيال من بعدنا إلى تغيير وتبديل، يُعرض النص القرآني في كل مرة إلى الخطأ أو التحريف والتغيير.

3- أن تغيير رسم المصحف كلما هبت ريح، أو أشرقت شمس، أو آذنت بغروب: يعرض المصحف للامتهان، ويمس قداسته، ويغض من هيبته، ويقلل من احترامه، فتعتاد النفوس ويتبلد الإحساس وتخمد الغيرة على النص القرآني.

4- أن إجازة كتابته بالرسم الإملائي، وانتشاره بذلك، واعتياد الناس لذلك: يمهد للدعوة إلى تغيير الأحرف العربية، وكتابة اللفظ بالأحرف اللاتينية، ما دام النطق واللفظ هو اللفظ.

بل الدعوة قائمة الآن إلى كتابة القرآن بالأحرف اللاتينية!!

5- أن للرسم العثماني فوائدَه، وحكمه، ومزاياه التي يضمنها الالتزام بالرسم العثماني ولا تتحقق في سواه.

6- أن تعليم القرآن وحفظه: لا يكون من المصحف [=يعني: لا يكون من المصحف فقط، من غير شيخ أو معلم]؛ وإنما عن طريق المشافهة عن حافظ متقن، ومن سلك هذا الطريقَ لم يشكل عليه رسم، وإنما الإشكال ممن لم يلتزم الطريق الصحيح، وقرأ من المصحف وحده؛ فالخطأ من قِبَله هو أتى.

«7- أن الاحتجاج بتعليم الصبيان غير مسلَّم، فها نحن نراهم يتعلمون اللغات الأجنبية، بحروفها ولغاتها، ويتقنونها وينكرون كل الإنكار كتابة الكلمات لهم بالأحرف العربية، بل يوجبون قراءة اللغة الأجنبية بأحرفها الأجنبية، مع الاختلاف الكلي بين اللغتين. بينما الاختلافُ بين الرسم العثماني والإملائي، ليس إلا في كلمات معدودة، ورسوم محدودة.

8- أن تعليم الصبيان لا يكون بالمساس بالنص الديني، وإنما يكون برفع مستوى الأذهان، والتهيئة النفسية لذلك.

وعلينا، إن كنا حريصين -حقًّا- على تعليم أبنائنا للقرآن الكريم: أن نعودهم القراءة في المصحف، ففي التعود على قراءته تأليف لأذهانهم على رسم المصحف، وترويض لمداركهم على مصطلحاته، وسيدرك أولئك أن الصعوبة التي تواجههم بادئ الأمر، قد تحولت بعد زمن يسير إلى سهولة ووضوح.

وإنما تصعب تلاوة القرآن وإتقانه على الذين يهجرونه دهرًا طويلًا، ثم يعودون لتلاوته دقائق معدودة، فأولئك سيواجهون -حتمًا- الصعوبة، وسيحملون تقصيرهم -جورًا وظلمًا- على رسم المصحف، وما هو من الرسم، ولكنه من تفريطهم بالتلاوة وهجرهم للقرآن والله المستعان.

9- أن في الالتزام برسم المصحف ضماناً قويًّا للنص القرآني من التحريف والتبديل، ولو تم تغييره في كل حين، والتصرف في كتابته في كل عصر، لأدى ذلك إلى تعريض المصحف للتغير والتبديل، والتحريف.

10- أن الذين دعوا إلى كتابة المصاحف بالرسم الإملائي، ليسوا من القراء، ولا من العلماء المختصين بالرسم، وإنما عمادهم الرأي المجرد. بل إن بعضهم من المشهورين بالإلحاد وسوء المعتقد!! وفيهم من دعا إلى ذلك بحسن نية، لكنها دعوة ينقصها العلم الشرعي، والله المستعان".

ثم قال الدكتور الفاضل في خاتمة كلامه:

ونحن حين نورد هذه الأدلة لا نستجدي موافقة أو نلتمس تأييدًا1. لإبقاء رسم المصحف العثماني فهو أمر حسمه علماء السلف -رحمهم الله تعالى- ولا خيارَ للمخالف، ولكنا نخشى أن يغتر ببريق هذه الدعوة مغتر، أو تنطلي شبهات هذه الدعوة على من لا يعلم الحكم الشرعي فيغرق في أوحالها. انتهى، من كتاب: "دراسات في علوم القرآن" (375-377).

وللدكتور عبد الحي الفرماوي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، رحمه الله، بحث بعنوان: "كتابة القرآن الكريم بالرسم الإملائي، أو الحروف اللاتينية: اقتراحان مرفوضان"، يمكن مراجعته بتوسع.

وينظر: جواب السؤال رقم: (97741)، ورقم: (98922).

ثانيا:

أما كتابة الآية والآيات لاسيما للتعليم أو للحفظ فلا حرج أن تكتب بالرسم الإملائي؛ إذ لا محذور في ذلك.

وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله: " لو كتبت في كتب غير المصحف؟".

فقال الشيخ: "هذه أهون، أي: لو كتبت جاء الإنسان بالآية استشهاداً -يعني: استدلالاً بها- فهنا قد نقول: يكتبها على حسب القاعدة المعروفة؛ لأن الناس لو رجعوا إلى المصحف لوجدوه على ‌الرسم العثماني". انتهى، من "لقاء الباب المفتوح" (197/ 16 بترقيم الشاملة آليا)

وقال د. عبد القيوم سندي، بعد تقرير المسألة الأولى، على نحو ما سبق نقله عن د. فهد الرومي:

«‌‌تنبيه:

هناك فرق بين كتابة المصاحف الأمهات، وبين ‌كتابة ‌الآيات القرآنية في غير المصاحف.

فأما بالنسبة لكتابة المصاحف الأمهات: فيجب على المسلم اتباع ‌الرسم العثماني فيها، ولا يجوز لأحد العدول عنه؛ للأدلة والوجوه التي سقناها في تأييد مذهب الجمهور.

أما بالنسبة لكتابة الآيات القرآنية في غير المصاحف: ككتابتها في المؤلفات، وكتب التفسير، والرسائل العلمية، والأجزاء المفرقة من القرآن الكريم التي تعد للتعليم سواء كانت للناشئة أو الكبار:

فينبغي فيها الالتزام ‌بالرسم العثماني، وهو الأحوط خروجًا عن الخلاف؛ ولكن لا يجب الالتزام ‌بالرسم العثماني فيها؛ بل يجوز أن تكتب ‌بالرسم الإملائي العصري ولا يحرم ذلك». انتهى، من كتاب "صفحات في علوم القراءات" (ص182).

وعليه فلا حرج أن تكتبي ما تريدين حفظه بالرسم الإملائي الحديث أو بحسب التلفظ به، دون إسقاط لشيء من الحروف المنطوق بها.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android