أولاً:
بداية ننصح بمراجعة الطبيب المختص لمعرفة طبيعة الحالة، وأخذ الدواء الذي يساعدك على التخلص من الكحة وقت الصلاة، وفي الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ) رواه أبو داود (3855) وصححه الالباني.
وإذا كانت هذه الحالة تعطل واجباً، فإن التخلص منها يأخذ حكم الوجوب، فالأمر بواجب أمر بالشيء الذي يتوقف عليه أداء هذا الواجب إذا لم يأت به أمر خاص. انظر: "الوجيز في أصول الفقه" (ص:250).
ثانياً:
القيام في الصلاة ركن من أركان الصلاة، ولا تصح صلاة من أخل به؛ إلا العاجز عن القيام لمرض أو عاهة ونحوها.
وقد سبق بيانه مفصلا في الفتوى: (67934).
ثالثا:
أما الجلوس بدلا من القيام، لمن كان في مثل حالك: يمكنه حفظ طهارته جالساً، ولا يمكنه قائما، فقد اختلف أهل العلم في المسألة، فمنهم من قال بجواز الصلاة جالساً، ومنهم من قال يصلي قائما، ولو انتقضت طهارته.
ومبنى الخلاف على مسألة: هل الركن أولى من الشرط أو العكس.
والمعتمد في المذاهب الفقهية الأربعة: أنه يصلي جالساً، حفاظا على طهارته، التي هي شرط لصحة دخوله في الصلاة.
وبعض الفقهاء يصرح بأنه "يجب" عليه ذلك، لا أنه مجرد رخصة، كما يأتي في النقل عن الشافعية، وأنه لا يجوز له أن يصلي مع خروج الحدث، أو سيلان بوله، كما صرح به الأحناف.
جاء في "شرح الزيادات - قاضي خان" (1/ 238) – من كتب الأحناف-:
«لو صلى قائما: سَلِس بولُه، أو سال جرحُه، أو لا يقدر على القراءة، ولو صلى قاعدًا، لم يُصبه شيء من ذلك= فإنه يُصلي قاعدًا، يركع، ويسجد)؛ لأنَّهُ ابتُلي بين ترك القيام، وبين الصلاة مع الحدث، أو بدون القراءة. وترك القيام أهونُ، فإنه يجوزُ حالة الاختيار، وهو التطوع على الدابة، وترك القراءة لا يجوز إلا لعُذر، وكذا الصلاةُ مع الحدث.
ولو كان لو سجد، سال جرحه، أو سَلِس بَوله= ترك السجودَ أيضًا؛ لما قلنا، ويصلي بالإيماء، ويجعل السجودَ أخفض من الركوع » انتهى.
وجاء في "خزانة المفتين - قسم العبادات" (ص714 بترقيم الشاملة آليا):
«ولو كان بحالٍ، إذا صلّى قائماً يسْلَسُ بولُه= صلّى قاعداً؛ يركع ويسجد.
ولو كان بحيثُ لو سجد، سال جرحُه، أو سلِس بولُه: ترك السجود أيضاً، ويجعل السجودَ أخفضَ من الركوع.
فإن صلّى مع السيلان في هذين الفصلين، بركوعٍ وسجودٍ: لا يجوز» انتهى.
وجاء في "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/ 359) – من كتب المالكية-:
«قوله: [بأن خاف بالقيام حدوث مرض] : أي بأن يكون عادته إذا قام حصل له إغماء أو دوخة مثلا، أو أخبره طبيب عارف أو موافق له في المزاج.
قوله: [خروج حدث] : أي فيجلس؛ على ما قاله ابن عبد الحكم.
وقال سند: يُصلي من قيام، ويغتفر له خروج الريح؛ لأن الركن أولى للمحافظة عليه من الشرط.
ولكن المعتمد: ما قاله ابن عبد الحكم، الذي مشى عليه المصنف.
وقول سند: الركن أولى؛ لا يسلم؛ لأن الشرط هنا أعظم منه؛ لأنه شرط في صحة الصلاة مطلقا، فرضا أو نفلا، والمحافظة عليه أولى من المحافظة على الركن الواجب في الجملة؛ لأن القيام لا يجب إلا في الفرض.
وبهذا يسقط قول سند: لِمَ لمْ يُصلِّ قائمًا، ويغتفر له خروج الريح، ويصير كالسلس، ولا يترك الركن لأجله؟». انتهى.
وينظر أيضا: "شرح الخرشي على مختصر خليل" (1/ 295).
وجاء في "روضة الطالبين وعمدة المفتين"، للإمام النووي (1/ 139) -شافعي-:
«قال صاحب (التهذيب) لو كان سلس البول، بحيث لو صلى قائما سال بوله، ولو صلى قاعدا، استمسك، فهل يصلي قائما، أم قاعدا؟
وجهان.
الأصح: قاعدا؛ حفظا للطهارة، ولا إعادة عليه على الوجهين. والله أعلم».
وجاء في "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج"، للرملي (1/ 466)- شافعي-:
لو كان به سلَسُ بولٍ، ولو قام سال بوله، وإن قعد لم يَسِل؛ فإنه يصلي قاعدًا وجوبا، كما في الأنوار، ولا إعادة عليه انتهى.
وينظر أيضا للفائدة: "الهداية إلى أوهام الكفاية"، للإسنوي، مطبوع بذيل "كفاية النبيه" لابن الرفعة (20/ 87).
وجاء في "كشاف القناع" (1/ 509) – من كتب الحنابلة-:
«ولو امتنعت القراءة، إن صلى قائما: صلى قاعدًا.
أو لحقه السلس إن صلى قائما: صلى قاعدا؛ لأن للقيام بدلًا، وهو القعود، بخلاف القراءة، والطهارة» انتهى.
والذي (تمتنع قراءته) في الصلاة قائما لا قاعدا، (أو يلحقه السلس) في الصلاة (قائما) لا قاعدا= (صلى قاعدا) انتهى، من "شرح المنتهى" لابن النجار (1/ 438).
والحاصل:
أنه لو كنت إذا صليت جالسة، أمكنك الحفاظ على طهارتك، ولم يخرج منك شيء لأجل الكحة التي تصيبك: فإنك تصلين جالسة، وتحافظين على طهارتك؛ كما هو المعتمد في المذاهب الفقهية الأربعة.
والله أعلم.