هل يقدم مساعدة والديه لأداء الحج أم مساعدة أخيه على الزواج؟

السؤال: 575114

أنا الأخ الأكبر لدي مبلغ من المال يكفي لإرسال أبوي إلي الحج، ولكن لدي أخي الأصغر يحتاج إلي الزواج، فهل الأفضل إرسال أبوي إلي الحج أم أساعد أخي في الزواج؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

إذا كان لم يسبق لوالديك الحج، فالذي يظهر أنهما أولى بالتقديم، لما قدمه الله من حقهما على غيرهما من الناس.
قال الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ ‌إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى [النساء: 36] 

فبدأ بالإحسان إليهما قبل غيرهما

وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: (أُمُّكَ). قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (‌ثُمَّ ‌أُمُّكَ). قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (‌ثُمَّ ‌أُمُّكَ). قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَبُوكَ) رواه البخاري (5626).

وفي رواية مسلم (2548): قال: قال رجل: يا رسول الله! من أحق بحسن الصحبة؟ قال "أمك. ‌ثم ‌أمك. ‌ثم ‌أمك. ثم أبوك. ثم أدناك أدناك".

وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله:

"أنا سوداني متعاقد أعمل بالمملكة، كلما ذهبت إلى وطني في إجازة طلبت مني والدتي الحج، وأصبحت تكرر وتلح في الطلب كلما نزلت في إجازتي السنوية، أنا لا أرفض بخلًا، فقط هناك أشياء أقدمها على حجها؛ كإصلاح الدور وتعميرها،  وكذلك إصلاح الأراضي الزراعية؛ من أجل أشقائي وتزويجهم حفظًا لهم وصونًا لدينهم.

أولًا: هل كل الأمور التي ذكرتها تقدم على طلب الوالدة للحج؟ علمًا بأن الحج أصبح يكلف في بلادنا تكلفة كثيرة، أم أمضي قدمًا في تنفيذ إصلاح حال الأهل بيوتهم وزراعتهم؟

ثانيًا: هل يدخل في طاعة الوالدين الاستجابة لطلبها الحج؟

ثالثًا: والدي شيخ كبير مسن ومريض، لا يقوى على الحج والأسفار، فأخشى إذا قمت بإحضار الوالدة للحج أن يؤثر ذلك في نفسيته؛ سيما وهما يسكنان لوحدهما منذ فترة طويلة، ولا أخت لنا تقوم بخدمة الوالد إلى حين رجوع الوالدة من الحج.

رابعًا: تقول لي دائمًا: إذا لم تحججوني سوف أقوم ببيع أملاكي من أراضي زراعية وأؤدي منها الفريضة.

أخيرًا: هل قيامي بتزويج أشقائي، أو تجهيزهم للزواج أفضل من حج الوالدة، أو أيهما أفضل؟

أفتوني حول هذه المواضيع، جزاكم الله خيرًا".

فأجاب، رحمه الله:

"بر الوالدين من أهم المهمات، ومن أعظم الواجبات، ومراعاة نفس الوالدة والحرص على رضاها، وعلى هدوء قلبها ونفسها أمر مهم جدًّا، ولكن لا يجب الحج عليها إلا إذا كانت قادرة مستطيعة، من جهة المال؛ لقوله U: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97].

ولا يجب عليك أيضًا تحجيجها؛ لأن الحج عليها هي ليس عليك، لكن من مكارم الأخلاق، ومن محاسن الأعمال، ومن البر العظيم أن تراعي طلبها، وأن تحقق لها رغبتها -حسب الإمكان- وتؤجل ما يتعلق بالزواج، وتزويج من ذكرته إلى رجوعك من الحج؛ لأن الحج أمره عظيم وفائدته كبيرة، والوالدة نفسها معلقة به، فإذا أحسنت إليها، وأخذت بخاطرها وحججتها كان ذلك من أقرب القربات، ومن أعظم الطاعات.

أما والدك، فلعله يسمح، تقول له أن الحج يشق عليك، وأنت في هذه الحال، فلعله يسمح حتى تحجج أمك، أو تسمح هي بالصبر حتى يشفى فيحجا جميعًا، أو يسمح لها بالحج بعد ذلك.

المقصود: أن عليك أن تراعي هذه الأمور، وأن تجتهد في سماحها حتى تؤجل الحج، أو سماح الوالد حتى تحج بها من دون مشقة عليه.

وأما تركها، وعدم المبالاة بها: فهذا شيء لا ينبغي؛ لأن إصلاح المزارع وتزويج من ذكرت كل هذا بالإمكان يؤجل بعد الحج، فالمدة ليست طويلة، فمراعاة خاطر الوالدة وتلبية طلبها والحرص على تحجيجها أمر مطلوب، ولاسيما إذا كان الحج واجبًا عليها؛ لأنها مستطيعة، فإن كانت غير مستطيعة، فتلبية طلبها وتحجيجها، ولو كانت غير مستطيعة: فيه خير لك وفضل عظيم، وبر بها، وإحسان إليها، وتطمين لقلبها، فاحرص على ذلك وابذل وسعك في تحقيق رغبتها إلا إذا كان الوالد يريد الحج معها وأنت لا تستطيع.

فاستعمل الكلام الطيب، والأسلوب الحسن، في تأجيل حجهما جميعًا إلى وقت آخر، لعله يشفى، ولعل الأمور تكون أيسر في المستقبل، بعبارات حسنة وأسلوب حسن، أو بتوسيط من ترى من الأقارب والأصدقاء حتى يشيروا عليها، وحتى ينصحوها بالتأجيل؛ رفقًا بوالدك ورفقًا بك، فإذا فعلت ذلك فأنت إن شاء الله على خير، ومأجور...

فإذا كان مالها يتسع للحج، فلا مانع أن يحج بها من مالها، أو يحج بها من ماله ويدع مالها لها كما هو ظاهر كلامه، وله في هذا الأجر العظيم، إذا لاحظها وأكرمها وحججها من ماله، فهو خير له، ومن أعظم البر لها، ومن تطييب نفسها.

لكن يراعى في ذلك مسألة والده لئلا يشق على والده الحج وهو بهذه الحال التي ذكر من المرض، وهكذا يشق على الولد أيضاً كونه يقوم بذلك مع كونه عاجزاً بسبب المرض الذي هو فيه حالياً. فالحاصل مثل ما تقدم أنه يوسط من يرى من الأخيار، حتى ينصح الوالدة ويشير عليها بالتأجيل إلى أن يشفى والده وإلى أن تكون الأمور أيسر من هذا الوقت" . انتهى من فتاوى نور على الدرب.

وإذا سبق لوالديك الحج، فلا بأس أن تقدم مساعدة أخيك في الزواج، تقديما للأهم.

لكن إن كان الأخ ممن يخشى عليه العنت، وطابت نفس الوالدين بإعانته، ولو تأخر حجهما، أو لم يكن يرجى بعد ذلك؛ فنرجو أن يكون في صيانة الأخ عن العنت والفتنة خير كثير، وأنه لا بأس عليك بتقديم إعانته؛ إذا كانت نفس الأبوين تطيب بذلك؛ كما ذكر.

وقد سبق بيان أهمية تقديم الزواج على الحج لمن يخشى على نفسه ويشق عليه تأخير الزواج: (27120).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android