أولا:
لا حرج في المال الذي يعطيه البنك لمن يدعو غيره لفتح حساب جديد، إذا كان البنك إسلاميا تنضبط أحكامه وفق الشرع، وهذا يدخل في الجعالة، فهو مال مقابل الدلالة، وحيث كانت الدلالة على أمر مباح، جازت الجعالة، بشرط أن يكون االجعل معلوما.
قال في "منار السبيل" (1/ 456): "باب الجعالة (وهي جعل مال معلوم، لمن يعمل له عملاً مباحاً ولو مجهولاً، كقوله: من رد لقطتي، أو بنى لي هذا الحائط، أو أذّن بهذا المسجد شهراً، فله كذا) قال في الشرح: ولا نعلم فيه مخالفاً لقوله: (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِير) [يوسف/72] " انتهى.
فإن كان البنك ربويا، أو لا تنضبط معاملاته وفق الشرع، حرمت الدلالة عليه، إلا أن يدل من يعلم أنه سيقتصر على فتح حساب جار للحاجة.
قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وروى مسلم (2674) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا).
جاء في قرار مجمع الفقه برابطة العالم الإسلامي المنعقد مكة المكرمة سنة 1406 هـ ما يلي:
" ثالثا: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي، أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج؛ إذ لا عذر له في التعامل معها مع وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام ". نقلا عن "حكم ودائع البنوك" للدكتور علي السالوس ص 136.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/346): " لا يجوز إيداع النقود ونحوها في البنوك الربوية ونحوها من المصارف والمؤسسات الربوية، سواء كان إيداعها بفوائد أو بدون فوائد؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، إلا إذا خيف عليها من الضياع، بسرقة أو غصب أو نحوهما، ولم يجد طريقا لحفظها إلا إيداعها في بنوك ربوية مثلا، فيرخص له في إيداعها في البنوك ونحوها من المصارف الربوية بدون فوائد، محافظة عليها؛ لما في ذلك من ارتكاب أخف المحظورين " انتهى.
ثانيا:
أما المال الذي يعطى لمن فتح الحساب الجديد، فيعتبر هدية من البنك، ولا يدخل في الجعالة، وفيه تفصيل:
1-فإن كان الحساب استثماريا في بنك منضبط بالشرع، فلا حرج في أخذ هذا المال، وهو هدية من الشريك أو المضارب، ولا محذور فيها.
2-وإن كان الحساب جاريا، وقد وضع فيه العميل مالًا، ولو قليلا: حرم أخذ الهدية؛ لأن الحساب الجاري يكيّف على أنه قرض من العميل للبنك، ويحرم أخذ الهدية على القرض قبل الوفاء، في قول جمهور أهل العلم؛ لما روى ابن ماجه (2432) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ، فَيُهْدِي لَهُ؟
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا، فَأَهْدَى لَهُ، أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ: فَلا يَرْكَبْهَا، وَلا يَقْبَلْهُ، إِلا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ) وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (6/ 159).
ورَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (3814) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قال: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لِي: "إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ، فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ: فَلا تَأْخُذْهُ؛ فَإِنَّهُ رِبًا".
و(القَتّ) نبات تأكله البهائم.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم: 86 (3/ 9) بشأن الودائع المصرفية (حسابات المصارف): "بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الودائع المصرفية (حسابات المصارف)، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله:
الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية)، سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أو البنوك الربوية: هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إن المصرف المتسلم لهذه الودائع: يده يد ضمان لها، وهو ملزم شرعاً بالرد عند الطلب.
ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك (المقترض) مليئاً " انتهى.
وجاء في "المعايير الشرعية"، ص 325: " لا يجوز للمقترض تقديم عين، أو بذل منفعة للمقرض، في أثناء مدة القرض، إذا كان ذلك من أجل القرض؛ بأن لم تكن العادة جارية بينهما بذلك قبل القرض" انتهى.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز الهدية للمقرض قبل الوفاء، إذا كانت بلا شرط، كما هو مذهب الشافعية، وينظر: "الموسوعة الفقهية" (33/ 131).
والراجح مذهب الجمهور؛ للحديث والآثار.
قال ابن القيم رحمه الله: "وقد تقدم عن غير واحد من أعيانهم، كأبيّ وابن مسعود وعبد الله بن سلام وابن عمر وابن عباس: أنهم نهوا المقرض عن قبول هدية المقترض، وجعلوا قبولها ربا" انتهى من "إعلام الموقعين" (3/ 137).
والحاصل:
أنه يفرق بين العميل ومن يفتح حسابا جديدا، وبين كون البنك إسلاميا منضبطا، وغيره، وبين كون الحساب استثماريا أو جاريا، حسب التفصيل السابق.
والله أعلم