لا حرج في إعطاء الأب جوائز مالية لأولاده تشجيعا لهم على الصلاة والقيام والتلاوة وغير ذلك من العبادات، مع تنبيههم على الإخلاص وابتغاء الأجر من الله تعالى، وأن يكون ذلك هو المقصد الأساس، والجوائز تبع.
ويدل على جواز التشجيع على الطاعة بشيء من الدنيا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ) رواه البخاري (4321)، ومسلم (1751).
وروى أبو داود (2178) عن أنس بن مالك، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يعني يوم حنين: (من قتل كافرا فله سلبه) فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم". وصححه الألباني.
والسلب: ما على القتيل، ومعه من ثياب وسلاح ومركب.
وقد أجاز جماعة من أهل العلم بذل الجوائز في مسابقات القرآن والسنة والفقه وما يعين على نشر الدين، وهو مذهب الحنفية، واختاره ابن تيمية وابن القيم.
قال ابن القيم رحمه الله: "المسابقة على حفظ القرآن والحديث والفقه وغيره من العلوم النافعة والإصابة في المسائل هل تجوز بعِوَض؟ منعه أصحاب مالك وأحمد والشافعي، وجوزه أصحاب أبي حنيفة، وشيخنا، وحكاه ابن عبد البر عن الشافعي، وهو أولى من الشباك والصراع والسباحة، فمن جوز المسابقة عليها بعوض فالمسابقة على العلم أولى بالجواز، وهي صورة مراهنة الصّدّيق لكفار قريش على صحة ما أخبرهم به وثبوته، وقد تقدم أنه لم يقم دليل شرعي على نسخه، وأن الصديق أخذ رهنهم بعد تحريم القمار، وأن الدين قيامه بالحجة والجهاد، فإذا جازت المراهنة على آلات الجهاد فهي في العلم أولى بالجواز، وهذا القول هو الراجح " انتهى من "الفروسية" (ص 318) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/189): "س: ما حكم الإسلام في الجوائز التي تعطى تشجيعا على حفظ القرآن أو مدارسة علم الدين؟
الجواب: لا نعلم بذلك بأسا؛ لأن ذلك وسيلة لتحقيق غاية شرعية نبيلة، والوسائل لها حكم الغايات.
عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله: " أنشأت -بفضل الله وتوفيقه- حلقات لتحفيظ القرآن الكريم ابتغاء مرضاة الله في أكثر من خمسين مسجدًا إلى الآن، وكنت قد وعدت كل طالب يحفظ جزءًا من القرآن أن أعطيه خمسين ريالًا، ولكني أخشى أن يكون هدف الطالب الحفظ لغرض الخمسين ريالًا فقط، فينشأ على حب المال، وأكون أنا السبب في ذلك، وأخشى على عقيدتي، فهل أوفي بعهدي لهم؟ علمًا بأن الخمسين ريالاً تشجعهم على الحفظ فعلًا، وبعضهم تخلف عن المسجد لما علم أنه لن يأخذ شيئًا، أم أمنع هذه المكافأة؛ حتى يتعود الحفظ لله خالصًا، دون انتظار أجر على ذلك، أفتونا جزاكم الله؟
فأجاب: "لا نعلم بأسًا في هذا، وهذا إن شاء الله عمل صالح؛ لأنهم يتعودون حفظ القرآن، ثم يهديهم الله للإخلاص في العمل، كما يروى عن بعض السلف أنه قال: تعلمنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله.
فالحاصل: أن التشجيع على حفظ القرآن، وعلى تعلم العلم بالمساعدة، والجوائز، هذا لا حرج فيه -إن شاء الله- وهو يعين بلا شك على الاستمرار في طلب العلم، وفي حفظ القرآن، فنرجو ألا يكون في هذا شيء، وأن الباذل للمال مأجور، لكن من غير زكاة، يكون من مال آخر غير الزكاة، فإن الطالب قد يكون غنيًا لا يستحق الزكاة، فتكون هذه الأمور من غير الزكاة، إلا إذا علم أن الطلبة فقراء، وشجعوا بالمال ليدرسوا، ويتحفظوا القرآن، والذين أهلهم فقراء لا يستطيعون القيام بشؤونهم؛ فهذا لا بأس من الزكاة". انتهى.
بل سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله، مثل هذه المسألة:
" هل من يعطي الأولاد مبلغًا من المال من أجل أن يواظبوا على الصلوات والتهليل والتكبير لله سبحانه، هل هذا العمل جيد ومشروع؟".
فأجاب، رحمه الله:
"لا حرج في ذلك، إذا كان ليس حيلة لتفضيل بعضهم على بعض، إنما هو لأجل تشجيعهم على الخير، فهذا في الغالب يكون.. شيء يسير، ويعفى عنه؛ لأن هذا من باب التشجيع على الخير والمعاونة عليه.
أما إذا كان عطايا لها أهمية، يفضل بعضها على بعض: لا.
أما إذا كان أشياء طفيفة للتشجيع؛ فلا بأس -إن شاء الله- نعم"، انتهى
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (288457).
والحاصل:
جواز التشجيع على الطاعات ببذل الجوائز، مع التوجيه إلى إخلاص النية لله تعالى، وأن تكون الجائزة تبعا لا مقصدا أساسيا بحيث لو لم تكن جائزة ما عمل ولا تقرب.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (228454)، ورقم: (160346).
والله أعلم.