القيام في الصلاة ركن من أركانها في الفريضة، لا تصح الصلاة بدونه من القادر عليه، بإجماع أهل العلم، فمن أخلّ به مع القدرة فقد أخلّ بركن لا تقوم الصلاة إلا به. وإنما يُرخّص في تركه لمن عجز عجزًا حقيقيًّا، بدنيًا كان أو موضعيًا، كالمريض أو المحبوس في مكان لا يسعه فيه القيام.
قال النووي رحمه الله :
"فالقيام في الفرائض فرض بالإجماع لا تصح الصلاة من القادر عليه إلا به حتى قال
أصحابنا لو قال مسلم أنا أستحل القعود في الفريضة بلا عذر أو قال القيام في الفريضة ليس بفرض كفر إلا أن يكون قريب عهد بإسلام" انتهى من المجموع شرح المهذب (3/ 258).
والأصل في جواز الجلوس في الصلاة لمن عجز عن القيام قوله صلى الله عليه وسلم (صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب) رواه البخاري (1066).
قال ابن بطال رحمه الله:
هذا الحديث في صلاة الفريضة، والعلماء مجمعون أنه يصليها كما يقدر حتى ينتهي به الأمر إلى الإيماء على ظهره أو على جنبه كيفما تيسر عليه انتهى من شرح صحيح البخاري - ابن بطال (3/ 104):
قال ابن حجر رحمه الله:
"قوله :(فإن لم تستطع) استدل به من قال لا ينتقل المريض إلى القعود إلا بعد عدم القدرة على القيام وقد حكاه عياض عن الشافعي، وعن مالك وأحمد وإسحاق لا يشترط العدم ؛ بل وجود المشقة، والمعروف عند الشافعية أن المراد بنفي الاستطاعة وجود المشقة الشديدة بالقيام أو خوف زيادة المرض أو الهلاك ولا يكتفى بأدنى مشقة، ومن المشقة الشديدة دوران الرأس في حق راكب السفينة وخوف الغرق لو صلى قائما فيها وهل يعد في عدم الاستطاعة من كان كامنا في الجهاد ولو صلى قائما لرآه العدو فتجوز له الصلاة قاعدا أو لا فيه وجهان للشافعية الأصح الجواز" انتهى من "فتح الباري" (2/588) .
ثانياً:
وأما ما ذكرتم من الصلاة جلوسًا داخل خيمة قصيرة تمنع من القيام، مع شدة البرد والمطر، فإن كان الخروج منها لأداء الصلاة قائمًا يُوقع بكم مشقة شديدة، أو خوف حصول مرض بسبب المطر أو شدة البرد ، فلا حرج عليكم في الصلاة جلوسًا داخلها؛ لأن العجز المكاني المقرون بالمشقة، يُلحق بالعجز البدني.
أما إن كانت المشقة يسيرة، أو كنتم تخرجون لغير الصلاة للتنزه والمشاهدة، فلا يصح لكم حينئذٍ أداء الصلاة داخلها جلوسًا.
قال النووي رحمه الله:
ولا يشترط في العجز أن لا يتأتى القيام، ولا يكفي أدنى مشقة؛ بل المعتبر: المشقة الظاهرة، فإذا خاف مشقة شديدة، أو زيادة مرض، أو نحو ذلك، أو خاف راكب السفينة الغرق، أو دوران الرأس= صلى قاعدا، ولا إعادة انتهى من المجموع شرح المهذب (4/ 310).
وقال الرملي، في نحو من صورة السؤال:
«وإذا وقع المطر، وهو في بيت لا يسع قامَته، وليس هناك مُكْتَنٌّ غيرُه؛ فهل يكون ذلك عذرا في أن يصلي فيه مكتوبة، بحسب الإمكان، ولو قعودا؟ أم لا، إلا إذا ضاق الوقت ... ؟ أم يلزمه أن يخرج منه، ويصلي قائما في موضع يصيبه المطر؟
فإن قيل بالترخص فهل يلزمه الإعادة أم لا؟
قال أبو شُكَيل: إن كانت المشقة التي تحصل عليه في المطر، دون المشقة التي تحصل على المريض لو صلى قائما: لم يجز له أن يصلي قاعدا.
وإن كانت مثلَها: جاز له أن يصلي في البيت المذكور قاعدا.
نعم؛ هل الأفضل له التقديمُ؟ أو التأخير، إن كان الوقت متسعا؟
فيه [=يعني: من الخلاف]: ما في التيمم في أول الوقت، إذا كان يرجو الماء آخر الوقت.
والأصح: أن التقديم أفضل، ولا إعادة عليه؛ لأن المطر من الأعذار العامة؛ ولذلك يجوز الجمع به، ولا تجب الإعادة». انتهى. نقله الرملي في نهاية المحتاج (1/ 468)، واختاره.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
«السفينة يمكن للإنسان أن يصلي فيها قائما، ويركع ويسجد، لاتساع المكان.
فإذا كان يمكنه: وجب عليه أن يصلي قائما.
وإذا كان لا يمكنه، إما لكون الرياح عاصفة، والسفينة غير مستقرة: فإنه يصلي جالسا.
وإما لكون سقف السفينة قصيرا: فإنه يصلي جالسا» انتهى من الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/ 343).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
«يجب عليك وعلى كل ركاب القطار من المسلمين أن يصلوا الصلاة في وقتها.
ولهم أن يجمعوا بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، إذا كانوا مسافرين. وعليهم أن يصلوا حسب طاقتهم، قائمين أو جالسين.
وإذا لم يستطيعوا الركوع أو السجود، أومأوا بذلك، وجعلوا السجود أخفض من الركوع؛ لقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» انتهى من «مجموع فتاوى ابن باز" (30/ 192).
والله أعلم.