أولاً:
المسك من أجود أنواع الطيب، وقد جاء ذكره ومدحه في القرآن والسنة، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وسبق بيان ذلك مع بيان أصله ومصدره وطبيعة استخراجه وأنواعه في الفتوى: (324213) بما يغني عن الإعادة فيرجع إليها.
ثانياً:
أما ما يتعلق بطهارته: فقد حكى كثير من الأئمة الإجماع على طهارته.
والمسك إما أن ينفصل من الظبي حال الحياة، أو يؤخذ بعد موته، أو تذكيته ممن لا تحل ذكاته غالباً، ومع هذا انعقد الإجماع على طهارته وجواز استعماله وبيعه. سوى خلاف عند بعض الشافعية فيما إذا أُخذ من الميتة، وهو خلاف العمل في زمن التشريع حيث كان يأتي المسك من بلاد من لا تحل ذكاتهم.
ومستند الإجماع ما ورد في السنة من أحاديث منها:
عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكر امرأة من بني إسرائيل حشت خاتمها مسكا، والمسك أطيب الطيب" رواه مسلم (2252).
وحديث عائشة رضي الله عنها: ( كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ ) رواه مسلم(1191).
وحديث أبي موسى -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ والسَّوء، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحذيَك، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحرق ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تجد ريحاً خبيثة) رواه البخاري (5214).
قال المازري رحمه الله:
«وقوله: " فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة "، قال الإمام: جمهور الفقهاء على طهارة المسك، وجواز بيعه.
وقال قوم بنجاسته.
والدليل عليهم قوله هاهنا: " وإما أن تبتاع منه "، والنجس لا يباع؛ ولأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمله، ولو كان نجساً لم يستعمله، والناس في الأعصار الماضية ما أحد منهم ينكر استعماله، فدلَّ ذلك كله على طهارته.
وقوله: " إما أن يحذيك ": يقال: أحذيت فلاناً، بمعنى أعطيته.
قال القاضى: قد ذكر بعض أئمتنا الإجماع على طهارة المسك وطهارة فارغه، وهي جلده التي يوجد فيها، وهي قطعة ميتة أو صيدُ غير مسلم له حكم الميتة" انتهى من "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 108).
وقال ابن حجر رحمه الله:
«فأرة المسك: إنما تؤخذ في حال الحياة، أو بذكاة من لا تصح ذكاته من الكفرة؛ وهي مع ذلك محكوم بطهارتها، لأنها تستحيل عن كونها دما، حتى تصير مسكا، كما يستحيل الدم إلى اللحم، فيطهر ويحل أكله.
وليست بحيوانٍ حتى يقال نجست بالموت، وإنما هي شيء يحدث بالحيوان؛ كالبيض.
وقد أجمع المسلمون على طهارة المسك» انتهى من "فتح الباري لابن حجر" (9/ 660).
قال النووي رحمه الله:
«المسك طاهر، ويجوز بيعه؛ بلا خلاف. وهو إجماع المسلمين. نقل جماعة فيه الإجماع.
ونقل صاحب الشامل وآخرون عن بعض الناس أنه نجس لا يجوز بيعه.
قال الماوردي: هو قول الشيعة. قالوا لأنه دم، ولأنه منفصل من حيوان حي، وما أبين من حي فهو ميت.
وهذا المذهب خلط صريح، وجهالة فاحشة، ولولا خوف الاغترار به لما تجاسرت على حكايته. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة عن عائشة وغيرها من الصحابة أنهم رأوا وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانعقد إجماع المسلمين على طهارته، وجواز بيعه.
(وأما) قوله إنه دم: فلا يُسَلَّم. ولو سُلِّم، لم يلزم منه نجاسته؛ فإنه دم غير مسفوح؛ كالكبد والطحال.
(وأما) قوله: منفصل من حيوان حي، فأجاب الأصحاب عنه بجوابين:
(أحدهما): أن الظبية تُلقيه، كما تلقي الولد، وكما يلقي الطائر البيضة، فيكون طاهرا، كولد الحيوان المأكول، وبيضه. ولأنه لو كان من حيوان لا يؤكل، لم يلزم من ذلك نجاسته؛ فإن العسل من حيوان لا يؤكل، وهو طاهر حلال بلا شك.
(والجواب الثاني) أن هذا قياس منابذ للسنة؛ فلا يلتفت إليه» انتهى من المجموع شرح المهذب (9/ 306).
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (37/ 288):
"ذهب الفقهاء إلى أن المسك طاهر حلال، يجوز أكله والانتفاع به، بكل حال. في الأطعمة والأدوية. سواء أكان لضرورة أم لا.
لأنه، وإن كان دما: فقد تغير، واستحال أصله إلى صلاح، فيصير طاهرا، ولما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن المسك أطيب الطيب.
قال ابن عابدين: حكى النووي إجماع المسلمين على طهارته وجواز بيعه" انتهى.
والله أعلم.