ينبغي إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد؛ لما روى أو داود (1609)، وابن ماجه (1827) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ" وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
ويجوز إخراجها بعد الصلاة إلى غروب شمس يوم العيد، ويحرم تأخيرها عن ذلك، في قول جمهور الفقهاء.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (2/ 252): " (وآخر وقتها غروب الشمس يوم الفطر) لما تقدم من قوله - صلى الله عليه وسلم - أغنوهم عن الطلب هذا اليوم.
(فإن أخرها عنه)، أي عن يوم العيد: (أثم)؛ لتأخيره الواجب عن وقته، ولمخالفته الأمر.
(وعليه القضاء)؛ لأنها عبادة، فلم تسقط بخروج الوقت، كالصلاة.
(والأفضل: إخراجها) أي الفطرة (يوم العيد، قبل الصلاة، أو قدرها) في موضع لا يصلى فيه العيد لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة " في حديث ابن عمر.
وقال جمع: الأفضل أن يخرجها إذا خرج إلى المصلى.
(ويجوز) إخراجها (في سائره) أي باقي يوم العيد؛ لحصول الإغناء المأمور به، (مع الكراهة)؛ لمخالفته الأمر بالإخراج قبل الخروج إلى المصلى" انتهى.
وسئلت اللجنة الدائمة عن جمعية "رأت تجميع زكاة الفطر لديها سواء ما يدفع منها قوتا بشكل مباشر، أو ما تحوله إلى قوت نيابة عمن يدفع نقدا، على غرار لحوم الأضاحي والهدي والفدى، وذلك قبل صلاة العيد، فهل يجوز لها صرف واستهلاك ذلك القوت تدريجيا وفقا لحاجة المستفيدين ممن ترعاهم؟"
فأجابت بما يلي: "يجب على الجمعية صرف زكاة الفطر للمستحقين لها قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها عن ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأدائها للفقراء قبل صلاة العيد، والجمعية بمثابة الوكيل عن المزكي، وليس للجمعية أن تقبض من زكاة الفطر، إلا بقدر ما تستطيع صرفه للفقراء قبل صلاة العيد.
ولا يجوز إخراج زكاة الفطر نقودا؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على وجوب إخراجها طعاما، ولا يجوز العدول عن الأدلة الشرعية لقول أحد من الناس.
وإذا دفع أهل الزكاة إلى الجمعية نقودا لتشتري بها طعاما للفقراء، وجب عليها تنفيذ ذلك قبل صلاة العيد، ولم يجز لها إخراج النقود.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
وأجاز الحنفية تأخيرها عن يوم العيد، وجعلوها من الواجبات الموسعة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (10/ 14) : " يجوز عند الجمهور إخراجها إلى غروب شمس يوم العيد، ويسن عندهم ألا تتأخر عن صلاة العيد.
ويحرم عندهم جميعا تأخيرها عن يوم العيد من غير عذر، ولا تسقط بهذا التأخير بل يجب قضاؤها...
وذهب الحنفية: إلى أن وجوب زكاة الفطر هو وجوب موسع في العمر كله، ففي أي وقت أدى كان مؤديا، لا قاضيا، غير أن المستحب إخراجها قبل الخروج إلى المصلى، ولو مات فأداها وارثه جاز" انتهى.
والظاهر أن الجابي في بلد السائل يعمل بمذهب الحنفية، أو أنه مكلف من قبل الدولة، فهو وكيل عن الفقراء، كما سيأتي.
فإذا لم يكن الجابي مكلفا من قبل الدولة، فعليك أن تخرج الزكاة بنفسك قبل صلاة العيد.
ثانيا:
إذا كان الجابي مكلفا من قبل الدولة، فالدولة وكيلة عن الفقراء، فيعطي المزكي الزكاةَ للجابي قبل العيد، ويجوز للجابي دفعها للفقراء في أي وقت بعد العيد.
وكذلك إذا كانت الجمعية وكيلة عن الفقراء، كأن تتفق الجمعية مع مجموعة معينة من الفقراء: أنها تستلم لهم زكاة الفطر، فيجوز حينئذ للجمعية أن تأخذ الزكاة قبل صلاة العيد، وأن تعطيها للفقراء في أي وقت بعد العيد؛ لأن ذمة المزكي تبرأ بإعطاء الزكاة للفقير، أو لوكيل الفقير.
والأصل أن الجمعيات وكلاء عن المزكين كما تقدم في فتوى اللجنة، لكن قد تتوكل الجمعية عن جماعة معينة من الفقراء.
ويجوز للفقير أن يوكل المزكي في قبضها عنه، فيقبضها عنه قبل صلاة العيد، ثم يعطيها لها في أي وقت شاء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مسألة: يجوز دفع الزكاة لجمعيات البر المصرح بها من الدولة، وعندها إذن منها، وهي نائبة عن الدولة، والدولة نائبة عن الفقراء.
وعلى هذا؛ إذا وصلتهم الفطرة في وقتها أجزأت، ولو لم تُصرف للفقراء إلا بعد العيد؛ لأنهم قد يرون المصلحة في تأخير صرفها" انتهى من "الشرح الممتع" (6/ 171).
وقال رحمه الله: "ويجب أن تصل إلى صاحبها قبل الصلاة، أو إلى وكيله أي: وكيل الفقير، ويجوز للفقير أن يوكل من تلزمه الفطرة في قبضها.
مثال ذلك: أن يقول الفقير لصاحب الصدقة: أنت وكيلي فيما تعطيني من صدقة الفطر، ففي هذه الحال يكيل الرجل زكاة الفطر، ويحوزها عنده في مكان حتى يعود الفقير من سفره، إذا كان مسافراً مثلاً أو ما شابه ذلك، وبهذا يكون الرجل قد قبض من نفسه زكاة الفطر لموكله.
فإن قال للفقير: عندي لك فطرةٌ، لم يكفِ، حتى يقبضها، أو يجعله وكيلاً في قبضها" انتهى من "الشرح الممتع" (6/ 171).
وقال الدكتور عبد الله الغفيلي في نوازل الزكاة، ص 516: " التوكيل يكون لأصناف منها الجمعيات الخيرية في بلاد المسلمين، ولها حالان:
الحال الأولى: أن تكون نائبة عن المزكي، وذلك هو الغالب في الجهات الخيرية التي لم تكلف من قِبَلِ الدولة بجمع الزكاة وتوزيعها؛ ولم يؤذن لها بذلك.
ويتحقق التوكيل بدفع المزكي الزكاة للجمعية لتوزيعها على الفقراء، أو بأن يدفع لها المبلغ النقدي لتقوم هي بشراء زكاة الفطر وتوزيعها.
فيكون المزكي في تلك الحالة مُعَيَّنا، بخلاف الفقير؛ فهو غير معين، مما يمتنع معه التوكيل منه.
الحال الثانية: أن تكون نائبة عن المزكي والفقير معا، وذلك إذا كانت جهة الزكاة حكومية، أو مكلفة من الدولة بجمع الزكاة وتوزيعها، أو مأذونًا لها بذلك؛ فتكون وكيلة عن الغني لكونه دفع الزكاة لها، وطلب منها توزيعها على المستحقين، وتكون نائبة عن الفقير لكونها مكلفة من الإمام، وهو نائب عن الفقراء. لا سيما إن كان الفقراء معينين لدى تلك الجمعيات...
وأما تأخير إخراجها من الجمعية عن يوم العيد: فإنه لا يجوز في الحال الأولى التي تكون فيها الجمعية نائبة عن المزكي، فأما الحال الثانية فيجوز تأخيرها لها لنيابتها عن الفقير، ويتقوى هذا بتعيين الفقراء" انتهى.
والحاصل:
أن الجابي إذا كان مكلفا من قبل الدولة فلا حرج عليه في تأخير تسليم زكاة الفطر للفقراء، وإذا لم يكن مكلفا من الدولة فعليك أن تخرج زكاتك بنفسك قبل صلاة العيد.
والله أعلم.