أولا:
الذين يعملون في المناجم والمحاجر خارج المدن، إذا كان بينهم وبينها مسافة قصر فأكثر، فإنهم يقصرون ويجمعون في الطريق ذهابا وإيابا، فإذا وصلوا إليها ونووا الإقامة أكثر من أربعة أيام، فإنهم لا يقصرون ولا يجمعون، وهذا مذهب الجمهور.
قال ابن قدامة رحمه الله: "مسألة: قال: (وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة، أتم).
المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها، هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة. رواه الأثرم، والمروذي، وغيرهما.
وعنه: أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم، وإن نوى دونها قصر.
وهذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور؛ لأن الثلاث حد القلة، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: يقيم المهاجر بعد قضاء منسكه ثلاثا.
ولما أجلى عمر رضي الله عنه أهل الذمة، ضرب لمن قدم منهم تاجرا ثلاثا، فدل على أن الثلاث في حكم السفر، وما زاد في حكم الإقامة.
ويروى هذا القول عن عثمان رضي الله عنه.
وقال الثوري، وأصحاب الرأي: إن أقام خمسة عشر يوما، مع اليوم الذي يخرج فيه: أتم، وإن نوى دون ذلك قصر" انتهى من "المغني" (2/ 212).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/ 95): "المسافر الذي نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام: لا يقصر الصلاة.
وإذا كانت الإقامة دون هذه المدة، فإنه يقصر الصلاة" انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه لله : ما رأي سماحتكم في السفر المبيح للقصر هل هو محدد بمسافة معينة ؟ وما ترون فيمن نوى إقامة في سفره أكثر من أربعة أيام هل يترخص بالقصر ؟
فأجاب : " جمهور أهل العلم على أنه محدد بمسافة ، وذلك يقارب 80 كيلو ، لأن هذه المسافة تعتبر سفراً عرفاً، بخلاف ما دونها .
ويرى الجمهور أيضاً: أن من عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام، وجب عليه الإتمام والصوم في رمضان .
وإذا كانت المدة أقل من ذلك فله القصر والجمع والفطر؛ لأن الأصل في حق المقيم هو الإتمام، وإنما يشرع له القصر إذا باشر السفر " انتهى من "فتاوى ابن باز" (12/ 270).
ثانيا:
الجمعة شرطها الاستيطان.
فإذا وجد في منطقة المحاجر والمناجم مستوطنون على الدوام، لزمهم إقامة الجمعة ولو لم يبلغوا أربعين رجلا، سواء كانت بيوتهم من خشب أو طوب أو غيره، فيلزمهم إقامة الجمعة ولو كانوا ثلاثة فأكثر، وينظر: جواب السؤال رقم: (7718).
وأما المقيمون غير المستوطنين: فلا تصح منهم الجمعة، ولا تلزمهم إلا تبعاً، فلو أقامها مستوطنون، لزم من يقيم في المكان أكثر من أربعة أيام أن يصلي الجمعة معهم.
جاء في "شرح مختصر خليل للخرشي" (2/72) في ذكر شروط وجوب صلاة الجمعة وصحتها:
"الِاسْتِيطَانِ، وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْإِقَامَةِ عَلَى نِيَّةِ التَّأْبِيدِ، وَلَا تَكْفِي نِيَّةُ الْإِقَامَةِ وَلَوْ طَالَتْ" انتهى.
وقال النووي رحمه الله في شرحه "المجموع" (4/367):
"قال أصحابنا: يشترط لصحة الجمعة أن تقام في أبينة مجتمعة، يستوطنها شتاء وصيفا من تنعقد بهم الجمعة.
قال الشافعي والأصحاب: سواء كان البناء من أحجار أو أخشاب أو طين أو قصب أو سعف أو غيرها، وسواء فيه البلاد الكبار ذوات الأسواق، والقرى الصغار، والأسراب المتخذة وطنا.
فإن كانت الأبنية متفرقة: لم تصح الجمعة فيها بلا خلاف، لأنها لا تعد قرية.
ويرجع في الاجتماع والتفرق الي العرف.
وقد أهمل المصنف اشتراط كونها مجتمعة، مع أنه ذكره في التنبيه، واتفقوا عليه.
وأما أهل الخيام: فإن كانوا ينتقلون من موضعهم شتاء أو صيفا، لم تصح الجمعة فيها بلا خلاف ... إلخ" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: «إذا أجمع المسافر إقامة تمنع القصر، ولم يرد استيطان البلد، كطالب العلم، أو الرباط، أو التاجر الذي يقيم لبيع متاعه، أو مشتري شيء لا ينجز إلا في مدة طويلة، ففيه وجهان: أحدهما، تلزمه الجمعة؛ لعموم الآية، ودلالة الأخبار التي رويناها، فإن النبى صلى الله عليه وسلم أوجبها إلا على الخمسة الذين استثناهم، وليس هذا منهم.
والثاني: لا تجب عليه؛ لأنه ليس بمستوطن، والاستيطان من شرط الوجوب، ولأنه لم ينو الإقامة في هذا البلد على الدوام، فأشبه أهل القرية الذين يسكنونها صيفا ويظعنون عنها شتاء، ولأنهم كانوا يقيمون السنة والسنتين: لا يجمعون، ولا يشرقون. أي لا يصلون جمعة ولا عيدا» انتهى، من "المغني" (3/ 218).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "نحن نعمل في أحد الحقول النفطية بالصحراء، لدينا مسجد داخل الحقل، الحقل له بوابة واحدة، وأقرب منطقة عنده تقدر بحوالي أربعين كيلو مترًا، ليس هناك أحد مقيم داخل الحقل، أو خارجه بأسرته، وأطول مدة ممكن يقضيها أحدنا بالحقل أربعين يومًا تقريبًا، وليس لدينا إمام معين، والسؤال: هل تصح في هذا المسجد صلاة العيد، وصلاة الجمعة؟
فأجاب: ما دام الحال كما ذكره السائل، فليس عليكم جمعة ولا عيد؛ لأنكم لستم مستوطنين؛ إنما تقيمون أربعين يومًا، ثم ترجعون إلى أهليكم، فأنتم في هذه الحالة كسكان البادية، تصلون ظهرًا أربعًا وعصرًا أربعًا وهكذا.
وليس عليكم جمعة، ما دام الأمر كما ذكرتم ليس هناك سكان، وإنما هم العمال يعملون أكثر ما يعملون أربعين يومًا، ثم يرجعون إلى أهليهم، ويأتي غيرهم، فعليكم الصلوات الخمس أن تصلوها جماعة، يؤمكم أفضلكم وأقرؤكم، وإذا اخترتم واحدًا يؤمكم هو أقرؤكم، كان ذلك أولى وأفضل، وليس عليكم جمعة، ولا عيد" انتهى من فتاوى نور على الدرب.
فإن أقام مستوطنون الجمعة، لزمكم حضورها تبعا لهم.
قال المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (5/170): "لو أقامَ مدَّةً تمْنَعُ القَصْرَ، ولم ينْوِ اسْتِيطانًا، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّ الجُمُعَةَ تلْزَمُه بغيرِه. قدَّمه فى الفُروعِ. وقال: إنَّه الأشْهَرُ" انتهى.
وإذا لم يوجد مستوطنون يقيمون الجمعة، لم تصح منكم الجمعة، وتصلونها ظهرا، مهما طالت مدة إقامتكم، ومهما بلغ عددكم.
والله أعلم.