يذكر بعض أهل العلم ممن ألف في السير والتراجم؛ أن من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم شَرَاف بنت خَلِيفَة الكلبية، وأنها أخت الصحابي دحية الكلبي رضي الله عنه.
ثم اختلفوا هل دخل بها أم لا، فقيل دخل بها وماتت بعد ذلك بزمن يسير، وقيل ماتت قبل أن يدخل بها.
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" شَرَاف بنت خليفة الكلبيّة، أخت دحية بن خليفة الكلبيّ، تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلكت قبل دخوله بها " انتهى. "الاستيعاب" (8 / 269).
وقال السهيلي رحمه الله تعالى:
" ولم يذكر ابن إسحاق في أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم شَرَافِ بنت خَلِيفَة أخت دِحْيَةَ بن خَلِيفَة الْكَلْبِيّ، وذكرها غيره، ولم تقم عنده إلا يسيرا حتى ماتت …
قيل في شراف بنت خليفة: إنّها هلكت قبل أن يدخل بها، فالله أعلم " انتهى. "الروض الأنف" (7 / 571 — 572).
أما من حيث الرواية، فلم يرد في هذا الأمر إلا ما رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (10 / 154)، قال: أخبرنا هشام بن محمّد بن السائب، قال: حدّثنا الشَّرْقيّ بن القَطَامِيّ قال: " لمّا هلكت خَوْلة بنت الهُذَيل، تزوّج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شَراف بنت خليفة أخت دِحْيَة ولم يدخل بها ".
لكن هذا الإسناد مع انقطاعه، ففيه هشام بن محمد السائب، وهو ابن الكلبي متروك الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" ابن الكلبي: أبو المنذر هشام ابن الأخباري الباهر محمد بن السائب بن بشر الكلبي، الكوفي، الشيعي، أحد المتروكين كأبيه...
قال أحمد بن حنبل: إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحدا يحدث عنه.
وقال الدارقطني، وغيره: متروك الحديث " انتهى. "سير أعلام النبلاء" (10 / 101 - 102).
ويساق في ترجمتها خبر من غير ذكر اسمها، رواه ابن السعد في "الطبقات الكبرى" (10 / 155)، قال: أخبرنا محمّد بن عمر، حدّثنى الثورى، عن جابر، عن عبد الرحمن بن سَابِط، قال: " خطب رسول الله امرأة من كلب، فبعث عائشة تنظر إليها، فذهبت ثمّ رجعت، فقال لها رسول الله: ما رأيت؟ فقالت: ما رأيت طائلًا. فقال لها رسول الله: لقد رأيت طائلًا، لقد رأيت خَالًا بِخَدِّها اقشعرّت كلّ شَعْرَة منكِ. فقالت: يا رسول الله ما دونك سِرٌّ ".
وهذا الخبر: مرسل؛ عبد الرحمن بن سابط تابعي لم يدرك زمن النبوة.
ومع هذا الإرسال، فهو من رواية محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف الحديث، لا يحتج بروايته.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" الواقدي رحمه الله ضعيف عند أهل الحديث وغيرهم لا يحتج برواياته المتصلة " انتهى . "المجموع" (1 / 114).
لكن رواه الفضل بن الموفق مختصرا عن الثوري، وخالف الواقدي في إسناده.
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (24 / 318)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُوَفَّقٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: " خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مِنْ كَلْبٍ، فَبَعَثَ عَائِشَةَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ".
وهذا خبر مرسل أيضا، وإسناده ضعيف جدا.
قال الهيثمي رحمه الله تعالى:
" وعن ابن أبي مليكة قال: ( خطب النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من كلب، فبعث عائشة تنظر إليها )، رواه الطبراني، وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف " انتهى. "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (9 / 254).
والفضل بن موفق، ضُعِّف.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" الفضل بن موفق: ضعفه أبو حاتم، وقال: روى موضوعات" انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 514).
الخلاصة:
لم يرد بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج شراف بنت خليفة الكلبية، أو عقد عليها، والروايات الواردة في ذلك واهية شديدة الضعف.
ولم يصلنا نص على هذا الزواج عن أحد من أئمة السير المتقدمين كابن إسحاق وغيره.
ولمزيد الفائدة يحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (272838).
والله أعلم.