أولا:
التلبية بقولك: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك": مشروعة للحاج والمعتمر، ويمسك عنها المعتمر إذا شرع في الطواف، ويمسك عنها الحاج إذا شرع في رمي جمرة العقبة.
روى البخاري (1549)، ومسلم (1184) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ ".
وروى الترمذي (919) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، يَرْفَعُ الحَدِيثَ: "أَنَّهُ كَانَ يُمْسِكُ عَنِ التَّلْبِيَةِ فِي العُمْرَةِ إِذَا اسْتَلَمَ الحَجَرَ». وقال: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ قَالُوا: لَا يَقْطَعُ المُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَسْتَلِمَ الحَجَرَ". وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا انْتَهَى إِلَى بُيُوتِ مَكَّةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ، وَالعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ".
وقال الألباني: ضعيف، والصحيح موقوف على ابن عباس.
وروى البخاري (1544)، ومسلم (1281) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " أَنَّ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى المُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ المزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى، قَالَ: فَكِلاَهُمَا قَالَ: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ".
ثانيا:
في معنى التلبية قال القاضي عياض رحمه الله: " قال الإمام [أي المازري]: وهو مصدر ثُني للتكثير والمبالغة، ومعناه: إجابة لك بعد إجابة، ولزوماً لطاعتك فتلبيته للتأكيد لا تثنية حقيقية...
واختلفوا فى معنى " لبيك " واشتقاقها، كما اختلف فى صيغتها، فقيل: معنى لبيك: اتجاهى وقصدى إليك، مأخوذ من قولهم: دارى تلب دارك، أى تواجهها. وقيل: معناها: محبتى لك، مأخوذ من قولهم: امرأة لبَّة: إذا كانت مُحبةً لولدها عاطفة عليه. وقيل: معناها إخلاصى لك، مأخوذ من قولهم: حبٌّ لبابٌ: إذا كان خالصاً محضاً، ومن ذلك: لبُّ الطعام ولبابُه. وقيل: معناها: أنا مقيم على طاعتك وإجابتك، مأخوذ من قولهم: قد لبَّ الرجل بالمكان وألبَّ: إذا أقام فيه ولزمه. قال ابن الأنبارى: وإلى هذا المعنى كان يذهب الخليل والأحمر.
قال القاضى: قيل: هذه الإجابة لقوله تعالى لإبراهيم: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَج، وقال الحربى فى معنى " لبيك " أيضاً: أى قرباً منك وطاعةً. والألباب: القرب، قال: وقال أبو نضر: معناه أنا ملب بين يدك، أى مختضع" انتهى من "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 176).
ثالثا:
اختلف في تلبية غير المحرم، فأجازها الجمهور، وكرهها مالك.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/274): " ولا بأس أن يلبي الحلال. وبه قال الحسن، والنخعي، وعطاء بن السائب، والشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر، وأصحاب الرأي. وكرهه مالك.
ولنا: أنه ذكر يستحب للمحرم، فلم يكره لغيره، كسائر الأذكار" انتهى.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم التلبية في غير الحج والعمرة، فكان إذا رأى شيئا يعجبه قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رأى شيئاً يعجبه من الدنيا يقول: ( لبيكَ ، إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة )، لأن الإنسان إذا رأى ما يعجبُه مِن الدُّنيا رُبَّما يلتفت إليه فيُعرض عن الله ، فيقول : ( لبيك ) استجابةً لله عزَّ وجلَّ ، ثم يوطِّنُ نفسه فيقول : ( إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة ) فهذا العيش الذي يعجبك عيش زائل ، والعيش حقيقة هو عيش الآخرة ، ولهذا كان من السُّنَّة إذا رأى الإنسانُ ما يعجبُه في الدُّنيا أن يقول : ( لبيك ، إن العيشَ عيشُ الآخرة ) " انتهى من "الشرح الممتع" (3/124).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (174568)، ورقم: (191792).
والحاصل:
أنه لا حرج في تلبية غير المحرم، كما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
والله أعلم.