المراد بالآية الكريمة: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ القصص/85. حسب ما ذكره أئمة التفسير: أن الله تعالى يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم، بأنّ الذي أنزل عليه القرآن، وأكرمه برسالته: سيرده إلى معاد عنده، فلا يحزن من عدم استجابة قومه له.
وقد نزلت هذه الآية بالجعرانة -بين مكة والمدينة- في طريق هجرته، وكان حزينا أن قومه لم يستجيبوا للحق، وأنه يغادر بلده التي هي أحب البقاع إليه؛ فجاءت التسلية من الله بأنه سيعود إلى تلك البقاع، وأن بعد ذلك معاداً إلى الموت والجنة. وكلها مواساة له صلى الله عليه وسلم.
وذكر أئمة التفسير بأن المراد بالمعاد: العود إلى مكة، أو الموت، أو الجنة. ولا تعارض بينها، وهو من باب اختلاف التنوع، لا اختلاف التضاد، كما ذكره ابن كثير.
ويدل على ذلك: أنّ ابن عباس رضي الله عنه فسره تارة بالعود إلى مكة وتارة بالموت وتارة بالجنة. كما ذكره الطبري وابن كثير وغيرهما. وذلك أنّ عوده إلى مكة، وفتحها: مؤذن بقرب أجله، وتمام بلاغه، وبعدها الموت والجنة. انظر: "تفسير الطبري" (18/ 345-351).
قال القرطبي رحمه الله:
"قوله تعالى: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد): ختم السورة ببشارة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، برده إلى مكة، قاهرًا لأعدائه.
وقيل: هو بشارة له بالجنة.
والأول أكثر. وهو قول جابر بن عبد الله وابن عباس ومجاهد وغيرهم.
قال القُتَبي: معاد الرجل: بلده، لأنه ينصرف، ثم يعود.
وقال مقاتل: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الغار ليلا، مهاجرا إلى المدينة، في غير طريق، مخافة الطلب، فلما رجع إلى الطريق، ونزل الجحفة، عرف الطريق إلى مكة، فاشتاق إليها، فقال له جبريل إن الله يقول:" إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد"؛ أي إلى مكة، ظاهرا عليها.
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية بالجحفة، ليست مكية ولا مدنية.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس" إلى معاد": قال: إلى الموت.
وعن مجاهد أيضا، وعكرمة والزهري والحسن: أن المعنى لرادك إلى يوم القيامة. وهو اختيار الزجاج. يقال بيني وبينك المعاد، أي يوم القيامة، لان الناس يعودون فيه أحياء.
و" فرض" معناه: أَنزل.
وعن مجاهد أيضا وأبي مالك وأبي صالح" إلى معاد": إلى الجنة. وهو قول أبي سعيد الخدري وابن عباس أيضا، لأنه دخلها ليلة الإسراء. وقيل: لأن أباه آدم خرج منها" انتهى من "تفسير القرطبي" (13/ 321).
قال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر الأقوال في الآية:
"ووجه الجمع بين هذه الأقوال: أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوعه إلى مكة، وهو الفتح، الذي هو عند ابن عباس أمارة على اقتراب أجله، صلوات الله وسلامه عليه، كما فسره ابن عباس بسورة إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا. فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا أنه أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه، وكان ذلك بحضرة عمر بن الخطاب، ووافقه عمر على ذلك، وقال: لا أعلم منها غير الذي تعلم.
ولهذا فسر ابن عباس تارة أخرى قوله: لرادك إلى معاد: بالموت.
وتارة بيوم القيامة، الذي هو بعد الموت.
وتارة بالجنة التي هي جزاؤه ومصيره على أداء رسالة الله، وإبلاغها إلى الثقلين: الجن والإنس، ولأنه أكمل خلق الله، وأفصح خلق الله، وأشرف خلق الله على الإطلاق" انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/ 260).
والله أعلم.