أولا:
الأصل أن المال الذي يأتي للأيتام، يكون لهم، يُنفق عليهم منه، ثم يدخر لهم الباقي، أو يستثمر لهم استثمارا مباحا.
وأكل مال اليتيم كبيرة من الكبائر؛ لقوله تعالى: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا النساء/2.
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا النساء/10.
وروى البخاري (2767)، ومسلم (89) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ.
ثانيا:
يستثنى مما تقدم أمران:
1-أن يخلط الإنسان ماله بمال الأيتام، في الطعام والشراب، دفعا للحرج.
قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة/220.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/ 582): " قوله: قل إصلاح لهم خير أي: على حدة. وإن تخالطوهم فإخوانكم أي: وإن خلطتم طعامكم بطعامهم، وشرابكم بشرابهم، فلا بأس عليكم؛ لأنهم إخوانكم في الدين؛ ولهذا قال: والله يعلم المفسد من المصلح أي: يعلم مَنْ قصدُه ونيتُه الإفساد أو الإصلاح.
وقوله: ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم أي: ولو شاء لضيق عليكم وأحرجكم، ولكنه وسع عليكم، وخفف عنكم، وأباح لكم مخالطتهم بالتي هي أحسن، كما قال: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [الأنعام: 152] " انتهى.
فيجوز أن تقدر ما يحتاجونه في طعامهم وشرابهم من مال، فتأخذه وتضيف عليه من مالك ما يكفي لحاجتك، وحاجتك زوجتك وبنتك منها، ثم تصرف على البيت من هذا المال.
2- أن يأكل الولي من مال اليتيم إن كان فقيرا؛ لقوله تعالى: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًاالنساء /5،6.
وقد اختلف الفقهاء في ذلك على أقوال:
الأول: أن الولي إن كان يرعى الأيتام ويقوم على مصالحهم، فله أن يأخذ أُجرة على ذلك، فيأخذ من مال اليتيم الأقلَّ من أمرين: أجرة مثله، أو قدر حاجته.
فلو كان عمله في رعايتهم يستحق أجرة قدرها 100 مثلا، وكان محتاجا، وحاجته تقدر ب 90، فإنه يأخذ 90.
قال الرحيباني، رحمه الله: " فيأكل مَن يباح له: الأقلَّ من أجرة مثله، وكفاية؛ فإذا كانت كفايته أربعة دراهم مثلا، وأجرة عمله ثلاثة، أو بالعكس، لم يأكل إلا الثلاثة؛ لأنه يأكل بالحاجة والعمل جميعا، فلا يأخذ إلا ما وُجِدا فيه" انتهى من "مطالب أولي النهى" (3/417).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " (ويأكل الولي الفقير) وهو الذي ليس عنده ما يكفيه من كسب يده أو غلة أو راتب أو مكافأة= ليس عنده إلا مال هذا اليتيم.
قوله: (من مال موليه الأقل من كفايته أو أجرته مجانا): فإذا قدرنا أن كفايته ألف ريال، وأجرته خمسمائة ريال، فنعطيه خمسمائة؛ لأنها الأقل، فإذا قال: هذه ما تكفيني، أنا إلى الآن فقير، نقول: ليس لك إلا الأجرة فقط.
وبالعكس، أجرته ألف ريال وكفايته خمسمائة، فنعطيه خمسمائة" انتهى من "الشرح الممتع" (9/ 312).
الثاني: ذهب بعض الفقهاء إلى تقييد ذلك بما إذا انشغل برعايتهم وترك التكسب.
قال الرملي، رحمه الله: " ولا يستحق الولي في مال محجوره نفقة ولا أجرة.
فإن كان فقيرا ، واشتغل بسببه عن الاكتساب : أخذ أقل الأمرين ، من الأجرة ، والنفقة بالمعروف ، لقوله تعالى : (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) النساء/6.
ولأنه تصرف في مالِ من لا تمكن موافقته؛ فجاز له الأخذ بغير إذنه ، كعامل الصدقات. وكالأكل: غيرُه من بقية المُؤَن. وإنما خُص [= الأكل] بالذكر؛ لأنه أعم وجوه الانتفاعات" انتهى من "نهاية المحتاج".(4/380)
الثالث: وحمل بعض الفقهاء ذلك على القرض، أي إن كان الولي فقيرا، اقترض من مال اليتيم، ثم رد إليه.
وينظر: "بدائع الصنائع" ، "تفسير القرطبي" (5/41).
وبهذا تعلم خطر الأخذ من أموال اليتامى.
فإن أردت الأخذ، فإنك تسأل أهل الخبرة: كم يأخذ الإنسان لو استؤجر لرعاية هؤلاء الأيتام وتربيتهم، فتأخذ هذا المبلغ وتخلطه بمالهم كما تقدم، أو تنفق منه على نفسك ومن تعول.
ثالثا:
لا يجوز لك أن تأخذ من أموال الأيتام وما يعطى لهم، لتسدد ديونك.
لكن إذا لم يكن عند ما تسدد به الديون، فأنت مستحق للزكاة، ولك أن تأخذ من زكاتهم.
فإذا كان المدخر في يد والدتهم، فأعلمها بوجوب زكاته، فإن الزكاة تجب في مال الصغير، إذا بلغ نصابا، وحال عليه الحول، فتعطيك هي من زكاة أيتامها، أو من زكاة مالها، إن كان لها مال، لتسد ديونك، أو تعطيك لحوائجك.
وقد روى البخاري (1393) عن أبي سعيد الخدري قال: "جَاءَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ زَيْنَبُ فَقَالَ أَيُّ الزَّيَانِبِ فَقِيلَ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ نَعَمْ ائْذَنُوا لَهَا فَأُذِنَ لَهَا قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ؛ زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ.
ولزوجتك الثانية أن تساعد برضاها في نفقة البيت، كأن تدفع الإيجار، أو ما يكفي لنفقتها ونفقة بنتها منك، حتى يتوفر لك مال تنفقه على بيتك الآخر.
والله أعلم.