174

ما هو الدليل على أنّ مؤمن الجن يدخل الجنة؟

السؤال: 538993

ما هو الدليل على أنّ مؤمن الجن يدخل الجنة؟

ملخص الجواب

دخول مؤمن الجن الجنة هي مسألة من المسائل التي وقع فيها الخلاف، والأرجح والأكثر دليلا، والأشهر عند أهل العلم، أن مؤمنهم موعود بالجنة.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

قد نص الوحي على أن الجن مكلفون ومخاطبون بالشرع، والنبي صلى الله عليه وسلم مرسل إليهم أيضا، كما أرسل إلى جميع البشر.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" وهم عند الجماعة مكلّفون مخاطبون، لقوله تعالى: ( يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ )، وقولِهِ تعالى: ( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )، وقوله: ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ )، وقوله: ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ).

ولا يختلفون أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم رسول إلى الإنس والجنّ، نذير وبشير، هذا ممّا فضّل به على الأنبياء، أنّه بعث إلى الخلق كافّة: الجنّ والإنس، وغيره لم يرسل إلّا بلسان قومه، صلى الله عليه وسلم.

ودليل ذلك، ما نطق به القرآن من دعائهم إلى الإيمان، بقوله في مواضع من كتابه: ( يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ) " انتهى. "التمهيد" (7 / 267).

ثانيا:

وكذا لا يختلف أهل العلم في أن الكافر من الجن يعذب في جهنم، كما نصت على هذا آيات الكتاب الكريم.

كقول الله تعالى:

( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) هود (119).

وكقوله تعالى:

( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) السجدة (13).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"وقد اتفق العلماء على أنّ كفارهم يدخلون النار، كما أخبر الله بذلك في قوله: ( قَالَ ادْخُلُوا في أممٍ قَدْ خَلَتْ من قَبلِكُمْ مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ في النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا )، وقال الله تعالى: ( لأمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُم أَجْمَعِينَ )، وقال: ( لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين ) " انتهى. "النبوات" (2 / 1009).

وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (16 / 93):

" إن العلماء اتفقوا على أن كافر الجن يعذب في الآخرة، كما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز: ( وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا )، وقوله تعالى: ( وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ) " انتهى.

ثالثا:

ولكن وقع الخلاف في مؤمني الجن، هل يدخلون الجنة؟

وسبب الخلاف هو عدم ورود نص خاص بهم، صريح الدلالة على دخولهم الجنة.

فمن أهل العلم من رأى أنهم لا يدخلون الجنة، لعدم وجود نص يصرح بهذا، وأن غاية ما هنالك أنهم لا يدخلون النار؛ لقول الله تعالى:

( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ، قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ، يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) الأحقاف (29 - 31).

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الجن المؤمنين لا يدخلون الجنة، وإنما جزاء صالحيهم أن يُجاروا من عذاب النار يوم القيامة؛ ولهذا قالوا هذا في هذا المقام، وهو مقام تبجح ومبالغة؛ فلو كان لهم جزاء على الإيمان أعلى من هذا لأوشك أن يذكروه.

وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ( لَا يدخل مؤمنو الْجِنِّ الْجَنَّةَ، لِأَنَّهُمْ مِنْ ‌ذُرِّيَّةِ ‌إِبْلِيسَ، وَلا تَدْخُلُ ‌ذُرِّيَّةُ ‌إِبْلِيسَ الْجَنَّةَ ) " انتهى. "تفسير ابن كثير" (6 / 645).

وخبر ابن عباس هذا إسناده فيه مجهول، كما هو ظاهر.

وهو في "تفسير ابن أبي حاتم" (8/ 2786)، بوجه آخر، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ أُرَاهُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ( إِنَّ الْجِنَّ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِنَّمَا يَنْجُو مُؤْمِنُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ؛ لأَنَّهُمْ مِنْ ‌ذُرِّيَّةِ ‌إِبْلِيسَ، وَلا يَدْخُلُ ‌ذُرِّيَّةُ ‌إِبْلِيسَ الْجَنَّةَ ).

وهذا إسناد ضعيف أيضا لجهالة شيخ الليث، ثم إنّ مدار الإسنادين على الليث، وقد ضعّف، ووصف بالاضطراب.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" ليث بن ‌أبي ‌سليم الليثي: قال أحمد: مضطرب الحديث، ولكن حدث عنه الناس. وقال ابن معين، والنسائي: ضعيف. وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره. وقال ابن معين أيضا: لا بأس به " انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 536).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" الليث ابن ‌أبي ‌سليم ...: صدوق، اختلط جدا، ولم يتميز حديثه فترك " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص464).

ثم إن عدم دخولهم الجنة ورد من كلام الليث نفسه غير موصول إلى ابن عباس.

كما عند ابن أبي الدنيا في "الإشراف في منازل الأشراف" (ص286)، قال: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، قَالَ:‌‌ ( ثَوَابُ الْجِنِّ أَنْ يُجَارُوا مِنَ النَّارِ، ثُمَّ يُقَالَ لَهُمْ: كُونُوا تُرَابًا ).

وهذا القول منسوب إلى أبي حنيفة رحمه الله تعالى.

قال الثعلبي رحمه الله تعالى:

"واختلف العلماء في حكم مؤمني الجنّ: فقال قوم: ليس لمؤمني الجنّ ثواب إلاّ نجاتهم من النار، وتأوّلوا قوله تعالى: ( يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )، وإلى هذا القول ذهب أبو حنيفة " انتهى. "تفسير الثعلبي" (24 / 141).

لكن من مفسري الحنفية من أورد أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى لم ينف دخول مؤمن الجن الجنة، وإنما توقف في ذلك، وعلقه على وجود الدليل الصحيح.

قال أبو حفص النسفي رحمه الله تعالى:

" توقّف أبو حنيفة رحمه الله في ‌ثواب ‌الجنّ في الجنة ونعيمها، وقال: لا استحقاق للعبد على اللَّه، وإنما ينال بالوعد، ولا وعد في حق الجن إلا هذا، وقوله تعالى: ( يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ): فهذا يُقْطَعُ القول به، فأما نعيم الجنّة فموقوف على قيام الدليل " انتهى. "التيسير في التفسير" (13 / 399).

لكن يرد على ذلك القول: أن الآية ليست صريحة أيضا في نفي دخولهم الجنة، فهؤلاء قوم نوح عليه السلام وُعدوا إن آمنوا بمغفرة الذنوب، ومن المقطوع به أن مؤمنهم يدخل الجنة.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وما ذكروه ههنا من الجزاء على الإيمان من تكفير الذنوب والإجارة من العذاب الأليم: هو يستلزم دخول الجنة؛ لأنه ليس في الآخرة إلا الجنة والنار، فمن أُجير من النار دخل الجنة لا محالة.

ولم يرد معنا نصّ صريح ولا ظاهر عن الشرع أن مؤمني الجن لا يدخلون الجنة، وإن أُجيروا من النار، ولو صحّ لقلنا به، والله علم.

وهذا نوح عليه الصلاة والسلام يقول لقومه: ( يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى )، ولا خلاف أن مؤمني قومه في الجنة؛ فكذلك هؤلاء " انتهى. "تفسير ابن كثير" (6 / 646).

ومن أهل العلم من رجح أن مؤمن الجنة مآله إلى الجنة.

قال الواحدي رحمه الله تعالى:

" وذهب قوم إلى أنهم كما يعاقبون في الإساءة، يُجازَوْن بالإحسان، وهو مذهب مالك وابن أبي ليلى … " انتهى. "البسيط" (20 / 202).

وهو قول الجمهور.

قال ابن حزم رحمه الله تعالى:

" وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف وجمهور الناس: إنهم في الجنة، وبهذا نقول " انتهى. "الفصل" (3 / 307).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وكافرهم معذب في الآخرة باتفاق العلماء، وأما مؤمنهم فجمهور العلماء على أنه في الجنة ... " انتهى. "مجموع الفتاوى" (19 / 38 – 39).

واستدلوا على هذا بأدلة عدة، منها:

الدليل الأول:

قول الله تعالى في سورة الرحمن وهو يخاطب الثقلين إنسا وجنا:

( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) الرحمن (46 – 47).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" ونقل عن ‌مالك ‌أنه ‌استدل ‌على ‌أن ‌عليهم ‌العقاب، ولهم الثواب، بقوله تعالى: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ )، ثم قال: ( فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )، والخطاب للإنس والجن، فإذا ثبت أن فيهم مؤمنين، والمؤمن من شأنه أن يخاف مقام ربه؛ ثبت المطلوب. والله أعلم " انتهى. "فتح الباري" (6 / 346).

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقد اختلف العلماء في مؤمني الجنّ ‌هل ‌يدخلون ‌الجنّة، أو يكون جزاء طائعهم أن لا يعذّب بالنّار فقط؟ على قولين.

الصّحيح: أنّهم يدخلون الجنّة، لعموم القرآن، ولعموم قوله تعالى: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )؛ فَامتنّ تعالى عليهم بذلك، فلولا أنّهم ينالونه لما ذكره، وعدّه عليهم من النّعم، وهذا وحده دليل مستقلّ كاف في المسألة، واللّه أعلم " انتهى. "البداية والنهاية" (1 / 133).

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" الصواب: أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة، كما دخل الكافرون منهم النار، وقد دلّ على هذا بعض الآيات:

من أصرح الآيات دليلا عليه، قوله تعالى في سورة الرحمن مخاطبا للإنس والجن: ( ولِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّه جَنَّتَانِ )، ثم بيّن أن هذا الوعد بالجنتين لمن خاف مقام ربه للإنس والجن، حيث أتبعه بقوله: ( فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )، والتثنية في قوله: ( فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) للإنس والجن بلا نزاع بين العلماء، فدل ظاهر هذه الآية أن مؤمن الجن في الجنة " انتهى. "العذب النمير" (3 / 223).

الدليل الثاني:

قول الله تعالى:

( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ) الرحمن (56).

قال الطبري رحمه الله تعالى:

" وقولُه: ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ). يقول: لم يمسّهن إنس قبل هؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم - وهم الذين قال فيهم: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) ...

وإنما عنى في هذا الموضع بذلك: أنه لم يُجامِعْهن إنس قبلهم ولا جانّ.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ...

وكان بعض أهل العلم ينتزع بهذه الآية في أن الجنّ يدخلون الجنة.

ذكر من قال ذلك:

حدَّثني أبو حُمَيدٍ أحمدُ بنُ المغيرةِ الحمصيُّ، قال: حدَّثني أبو حيوةَ شريحُ بنُ يزيدَ الحضرميُّ، قال: حدَّثني أرطاةُ بنُ المنذرِ، قال: سألتُ ضَمْرةَ بنَ حبيبٍ: هل للجنِّ من ثوابٍ؟ قال: نعم. ثم نزَع بهذه الآيةِ: ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ). فالإنسيات للإنس، والجنّيات للجنّ " انتهى. "تفسير الطبري" (22 / 246 – 248).

ووجه ذلك: أن الحور العين لا يتصور أن يُطمثْن أو يُمسسْن إلا في الجنة.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" فهذا يدلّ على أنّ مؤمني الجنّ والإنس يدخلون الجنة، وأنه لم يسبق من أحد منهم طمث لأحد من الحور، فدلّ على أنّ مؤمنيهم يتأتّى منهم طمث الحور العين بعد الدخول، كما يتأتّى من الإنس، ولو كانوا ممّن لا يدخل الجنة، لما حسُن الإخبار عنهم بذلك " انتهى. "مفتاح دار السعادة" (1 / 103).

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" ويُستأنس له بظاهر قوله: ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ )، فيفهم منه أن في الجنة جنًّا يطمثون النساء، ولكنهم لم يسبقوا هؤلاء أزواجهم في الجنة، وهذا الأخير أظهر " انتهى. "العذب النمير" (3 / 223).

الدليل الثالث:

قول الله تعالى:

( يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ، ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ، وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) الأنعام (130 - 132).

ونسب الاستدلال بها إلى جماعة من السلف، من ذلك:

ما ورد عند ابن أبي حاتم في "التفسير" (4/ 1389)، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ زِيَادٍ، أَنْبَأَنا يَحْيَى بْنُ الضُّرَيْسِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَعْقُوبَ قَالَ: " قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَهُمْ ثَوَابٌ، يَعْنِي لِلْجِنِّ، فَوَجَدْنَا تَصْدِيقَ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ: ( ‌وَلِكُلٍّ ‌دَرَجَاتٌ ‌مِمَّا ‌عَمِلُوا ) ".

وأشار أيضا إلى هذا الاستدلال الإمام البخاري، حيث بوّب في الصحيح (3 / 216)، فقال رحمه الله تعالى:

" بابُ ذِكْرِ الجِنِّ ‌وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ، لِقَوْلِهِ: ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ) إلى قَوْلِهِ: ( عَمَّا يَعْمَلُونَ ) [الأنعام: 130 – 132] " انتهى.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" وهذا عام في الجنّ والإنس، فأخبر تعالى أنّ لكلّهم درجات من عمله، فاقتضى أن يكون لمحسنهم درجاتٍ من عمله، كما لمحسن الإنس " انتهى. "مفتاح دار السعادة" (1 / 105).

الدليل الرابع:

أن يقال: إنه لما كان الجن مخاطبين بآيات القرآن الكريم، فإن جملة من الآيات علقت الأجر في الآخرة، ودخول الجنة، على صفة الإيمان والعمل الصالح، ولم تخصه بالبشر، فتتناول كل مخاطب بالقرآن من إنس وجنّ.

قال الحليمي رحمه الله تعالى:

" إن قال قائل: أخبر الله تعالى عن الناس أنهم محاسبون مجزون، وأخبر أنه يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين، ولم يخبر عن ‌ثواب ‌الجن ولا عن حسابهم، فما القول في ذلك عندكم؟

فالجواب: أنه قد قيل: إن الله تعالى لما أن قال: ( إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا )، وقال عز وجل: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )، دخل في الجملة الجن والإنس، فثبت للجن من وعد الجنة بعموم الآية، ما ثبت للإنس " انتهى. "المنهاج في شعب الإيمان" (1 / 414).

وقال ابن حزم رحمه الله تعالى:

" لقول الله عز وجل: ( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) ... وقوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ، جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) إلى آخر السورة، وهذه صفة تعم الجن والإنس عموما، لا يجوز البتة أن يخص منها أحد النوعين فيكون فاعل ذلك قائلا على الله ما لا يعلم ... " انتهى. "الفصل" (3 / 307 - 308).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android