حفظ
  • قائمة جديدة
المزيد
    حفظ
    • قائمة جديدة
93622/شوال/1446 الموافق 20/أبريل/2025

الجواب عن الاستدلال بحديث الجاريتين على جواز غناء المرأة أمام الرجال الأجانب!

السؤال: 502960

حديث غناء الجاريتين في العيد لعائشة ولم ينكر الرسول صل الله وسلم عليهن، فهل هذا يعني أن غناء المرأة مباح أمام الأجانب إن لم يكن فيه فتنة؟ أم أنّ هذا الحكم يختص بالجواري وما أدلتكم؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

ثبت في الشريعة نهي المرأة المسلمة عن الخضوع بالقول؛ بإمالته عن جهته الطبيعية، بترخيم أو تحسين أو غير ذلك، عند الرجال الأجانب. قال الله تعالى: قال تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقّيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا الأحزاب/32

قال القرطبي رحمه الله: "(فلا تخضعن بالقول) ... أي: لا تُلِنّ القول.

أمرهن الله أن يكون قولهن جزلا، وكلامُهن فصلا، ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين، كما كانت الحال عليه في نساء العرب ، من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه، مثل كلام المريبات والمومسات. فنهاهن عن مثل هذا...

قوله تعالى: (وقلن قولا معروفا) قال ابن عباس: أمرهن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والمرأة تندب إذا خاطبت الأجانب ، وكذا المحرّمات عليها بالمصاهرة : إلى الغلظة في القول، من غير رفع صوت ، فإن المرأة مأمورة بخفض الكلام.

وعلى الجملة؛ فالقول المعروف: هو الصواب الذي لا تنكره الشريعة ولا النفوس".  انتهى من "تفسير القرطبي" (14/ 177).

وجاء في "الموسوعة الفقيهة الكويتية" (4/90).

" إنْ كَانَ صَوْتَ امْرَأَةٍ ، فَإِنْ كَانَ السَّامِعُ يَتَلَذَّذُ بِهِ ، أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فِتْنَةً حَرُمَ عَلَيْهِ اسْتِمَاعُهُ ، وَإِلاَّ فَلاَ يَحْرُمُ ، وَيُحْمَل اسْتِمَاعُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَصْوَاتَ النِّسَاءِ حِينَ مُحَادَثَتِهِنَّ عَلَى هَذَا ، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَرْخِيمُ الصَّوْتِ وَتَنْغِيمُهُ وَتَلْيِينُهُ ، لِمَا فِيهِ مِنْ إثَارَةِ الْفِتْنَةِ ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :  فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْل فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ" انتهى .

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (140315) ورقم (257935)

وإذا كان الأمر على ذلك في حديث المرأة المعتاد، من غير غناء ولا آلة طرب، ولا هيئة من هيئات حفلات الغناء، وما فيها من الفتن، وإثارة الشهوات؛ إذا كان هذا هو أدب المرأة في حديثها العام المعتاد؛ فهل يقعل أن تبيح لها الشريعة أن تغني باحلى صوتها، وأشده ما يكون فتنة وإثارة، أمام الرجال الأجانب؟! سبحانك، هذا بهتان عظيم.

ثانيا:

الحديث المشار إليه: إنما يحكي قصة جاريتين، صغيرتين في السن، تغنيان لصاحبتهما الصغيرة في السن أيضا، أم المؤمنين عائشة، شيئا من أشعار العرب في الجاهلية، وتضربان بالدف.

فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا إليهما، ولا كانتا تغنيان له، ولا جلس معه أبو بكر لذلك، ولا شيء من هذه الخيالات التي بنيت على القصة!!

فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكرٍ وعندي جاريتان من جواري الأنصار، تغنِّيان بما تقاوَلَت الأنصارُ يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنِّيَتَين.

فقال أبو بكر: أمزاميرُ الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

وذلك في يوم عيدٍ.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبا بكرٍ، إنَّ لكلِّ قوم عيدًا، وهذا عيدُنا البخاري (952)، ومسلم (892).

والمراد بلفظ الجارية هنا: البنت صغيرة السِّنِّ -الطفلة-.

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله: "الجارية في النساء، كالغلام في الرجال، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما" انتهى من "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (2/533).

وقال ابن الجوزي رحمه الله: ‌والظاهر ‌من ‌هاتين ‌الجاريتين ‌صغر ‌السن لأن عائشة كانت صغيرة وكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسرب1 إليها الجواري فيلعبن معها. تلبيس إبليس (ص200):

ومما يدل على أن الجارية يطلق على الطفلة الصغيرة قول عائشة رضي الله عنها: “إذا بلغت الجاريةُ تسعَ سنين فهي امرأة" رواه الترمذي (1109) وحسنه الألباني.

والمعنى: أنَّ البنتَ الصغيرةَ إذا لم تبلغ تسعَ سنين فهي تسمَّى جارية، أما إذا بلغتها فتسمَّى في عرفهم امرأة؛ فيسقط الاستدلال بذلك على ما ادعوه؛ لأنه تحميل للحديث ما لا يحتمله.

كما أن المراد بغناء الجاريتين الصغيرتين إنشاد أشعار العرب، ويسمونه غناء، وليس هو غناء الطرب المعروف.

قال الخطابي رحمه الله: "‌والعرب ‌تُثبت ‌مآثِرَها ‌بالشعر، ‌فَتُروِّيها ‌أولادها ‌وعبيدَهَا، فيكثر إنشادُهُم لها ورِوايتهم إيّاهَا، فيتناشده السّامِرُ في القَمْراء. والنَّادي بالفناء والسَّاقِيَةُ عَلَى الرَّكِيِّ والآبار ويترنَّمُ بِهِ الرفاقُ إذَا سارت بها الركابُ وكل ذَلِكَ عندهم غِناء ولم يُرِدْ بِالغناء هاهُنا ذِكْرَ الخَنَا والابتهار بالنساء والتعريضَ بالفواحش وما يُسمّيه المُجّانُ وأهلُ الموَاخير غِناء.

والعرب تَقُولُ سَمِعْتُ فلانًا يُغَنّي بهذا الحديث أي يَجْهَرُ بِهِ ويَصْرُخُ ولا يورّي ولا يكني». انتهى من "غريب الحديث – الخطابي" (1/ 655).

وقال النووي رحمه الله في شرحه للحديث: "هذا الغناء إنما كان في الشجاعة والقتل والحذق في القتال، ونحو ذلك مما لا مفسدةَ فيه، بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس على الشّرّ، ويحملها على البطالة والقبيح" انتهى من" شرح مسلم للنووي"(6/182).

ثالثا:

في هذا الحديث -نفسه-: بيان أنّ الأصل في غناء الجاريتين، حتى مع كونهما صغيرتين: المنع، وإنما حصل الإذن لكونه يوم عيد، يحصل فيه من التوسع ما لا يحصل في غيره. وخاصة مع الأطفال الذين استثنتهم الشريعة في أحكام عدة مثل اتخاذ الألعاب المجسمة للعب بها ونحوه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ففي هذا الحديث ‌بيان: ‌أن ‌هذا ‌لم ‌يكن ‌من ‌عادة ‌النبي ‌صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم ‌وأصحابه ‌الاجتماع ‌عليه، ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الجواري عليه معللا ذلك بأنه يوم عيد والصغار يرخص لهم في اللعب في الأعياد كما جاء في الحديث ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة " وكان لعائشة لعب تلعب بهن ويجئن صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك. والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع؛ لا بمجرد السماع" انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 566):

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "وفي الحديث ما يدلّ على تحريمه في غير أيام العيد؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم علَّل بأنها أيام عيد، فدلَّ على أن المقتضِي للمنع قائم، لكن عارضَه معارضٌ وهو الفرح والسرور العارض بأيام العيد. وقد أقرَّ أبا بكر على تسمية الدفِّ مزمور الشيطان، وهذا يدلُّ على وجودِ المقتضِي للتحريم لولا وجودُ المانع" انتهى من " فتح الباري لابن رجب" (8/433).

والخلاصة:

ليس في الحديث المذكور أي دليل على ما تعلق به من قال بجواز غناء المرأة أما الرجال الأجانب، ولا يرقى لمصاف الخلافيات، وإنما هو تعلق بشبه متهافته، والنصوص المحكمة المتضافرة قاطعة بالمنع.

وقد سبق في الموقع بيان ذلك مفصلا معززاً بالأدلة وأقوال أئمة المذاهب الأربعة فيحسن الرجوع إليها (5000) (99630).

والله أعلم

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

خيارات تنسيق النص

خط النص

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android