73

هل يجوز ستر الحيطان بأوراق أشجار صناعية، من باب الزينة؟

السؤال: 372429

هل يصح تعليق الزينة على حوائط المنازل الداخلية، مثل أوراق الشجر الصناعية، بحيث تكون مغطية للحائط بالكامل؟

ملخص الجواب

لا حرج في تعليق أوراق الشجر الصناعية على حوائط المنازل الداخلية؛ لأن الأصل في مثل هذا الجواز والإباحة، وتركه أولى في غير الحاجة إلا إذا اقترن بذلك تبذير للأموال أو فخر وخيلاء فيحرم حينئذ.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

ورد ما يشير إلى النهي عن ستر الحيطان، وهذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وقول بعض الصحابة رضوان الله عليهم.

أولا:

فأما ما روي في هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم، كما عند أبي داود (1485): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( لَا تَسْتُرُوا الْجُدُرَ).

وهذا إسناد ضعيف لجهالة الراوي عن محمد بن كعب.

و قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ، وَهَذَا الطَّرِيقُ أَمْثَلُهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا " انتهى.

ثانيا:

وأما من فعله صلى الله عليه وسلم، فهو عند الإمام مسلم في "الصحيح" (2106)، (2107): عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَمَاثِيلُ ).

قَالَ: فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا يُخْبِرُنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَمَاثِيلُ )، فَهَلْ سَمِعْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: ( لَا، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكُمْ مَا رَأَيْتُهُ فَعَلَ: رَأَيْتُهُ خَرَجَ فِي غَزَاتِهِ، فَأَخَذْتُ نَمَطًا فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ، فَلَمَّا قَدِمَ فَرَأَى النَّمَطَ عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ، فَجَذَبَهُ حَتَّى هَتَكَهُ أَوْ قَطَعَهُ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ ‌الْحِجَارَةَ ‌وَالطِّينَ. قَالَتْ: فَقَطَعْنَا مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ، وَحَشَوْتُهُمَا لِيفًا، فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ ).

لكن الحديث ليس فيه صريح النهي عن ستر الحيطان.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" وأما قوله صلى الله عليه وسلم حين جذب النمط وأزاله: ( إِنَّ اللهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ ‌الْحِجَارَةَ ‌وَالطِّينَ )، فاستدلوا به على أنه يمنع من ستر الحيطان، ‌وتنجيد ‌البيوت ‌بالثياب. وهو منع كراهة تنزيه لا تحريم. هذا هو الصحيح.

وقال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي من أصحابنا: هو حرام.

وليس في هذا الحديث ما يقتضي تحريمه؛ لأن حقيقة اللفظ أن الله تعالى لم يأمرنا بذلك. وهذا يقتضي أنه ليس بواجب ولا مندوب، ولا يقتضي التحريم. والله أعلم" انتهى. "شرح صحيح مسلم" (14 / 86).

وما فيه من هتك النبي صلى الله عليه وسلم للستر، فيشكل على الاستدلال به أنه ورد في روايات أخرى أن الستر كانت فيه صور محرمة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وأمّا ‌حكم ‌ستر البيوت والجدران ففي جوازه اختلاف قديم، وجزم جمهور الشّافعيّة بالكراهة، وصرّح الشّيخ أبو نصر المقدسيّ منهم بالتّحريم، واحتجّ بحديث عائشة أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ، وَجَذَبَ السِّتْرَ حَتَّى هتكه )، وأخرجه مسلم. قال البيهقي: هذه اللّفظة تدلّ على كراهة ستر الجدار، وإن كان في بعض ألفاظ الحديث أنّ المنع كان بسبب الصّورة… " انتهى. "فتح الباري" (9 / 250).

ثالثا:

وأما ما ورد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيشبه أن يكون من باب الزهد والإعراض عن زينة الدنيا.

فمن ذلك ما رواه البخاري معلقا تحت باب: ( هَلْ يَرْجِعُ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا فِي الدَّعْوَةِ؟ ).

قال رحمه الله تعالى: ( وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ أَبَا أَيُّوبَ، فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا عَلَى الْجِدَارِ، فَقالَ ابْنُ عُمَرَ: ‌غَلَبَنَا عَلَيْهِ النِّسَاءُ، فَقالَ: مَنْ كُنْتُ أَخْشَى عَلَيْهِ، فَلَمْ أَكُنْ أَخْشَى عَلَيْكَ، وَاللهِ لَا أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَامًا. فَرَجَعَ ).

وقد ورد موصولا، من ذلك ما رواه مسدد كما في "المطالب العالية" (10 / 310)، وابن أبي شيبة "المصنف" (14 / 102): عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ( أَعْرَسْتُ فِي عَهْدِ أَبِي، فَآذنَ النَّاسَ، فَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ فِيمَنْ آذَنَ، وَقَدْ سَتَرُوا بِنِجَادٍ أَخْضَرَ، فَأَقْبَلَ أَبُو أَيُّوبَ فَدَخَلَ -وَأَبِي قَائِمٌ- فَاطَّلَعَ فَرَأَى الْبَيْتَ مُسَتَّرًا بِنِجَادٍ أَخْضَرَ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَسْتُرُونَ الْجُدُرَ؟ فَقَالَ أَبِي: -وَاسْتَحْيَا- يَا أَبَا أَيُّوبَ غَلَبَنَا النِّسَاءُ. فَقَالَ: مَنْ خَشِيتَ أن يغلبه النساء، فلم أخش أَنْ يَغْلِبْنَكَ. ثُمَّ قَالَ: "وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُ لك طَعَامًا، وَلَا أَدْخُلُ لَكُمْ بَيْتًا. ثُمَّ خَرَجَ ).

وتساهل ابن عمر رضي الله عنه مع أهله في هذا الأمر، مع علمه بإنكار والده أمير المؤمنين عمر لهذا الستر، يدل على أنه يرى أن الأمر ليس محرما .

روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (14 / 101)، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ ابْنًا لَهُ سَتَرَ حِيطَانَهُ، فَقَالَ: ( وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ ‌لَأَحْرِقَنَّ بَيْتَهُ ).

قال البيهقي رحمه الله تعالى:

"وروّينا فى كراهية ذلك عن عمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنه-، ويشبه أن يكون ذلك لما فيه من السّرف، واللّه أعلم " انتهى. "السنن الكبير" (15 / 41).

ويؤيد أن استنكارهم إنما هو من باب التورع عن صرف المال فيما لا يفيد، ما ورد بإسناد رواته ثقات، عند ابن أبي شيبة في "المسند" كما في "المطالب العالية" (10 / 313)، وعند البيهقي في "السنن الكبير" (15 / 38): عن عَفّان، حدثنا حماد بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، عَنْ محمَّد بْنِ كَعْبٍ قَالَ: دُعِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ إِلَى طَعَامٍ، فَلَمَّا جَاءَ رَأَى الْبَيْتَ مُنَجَّدًا، فَقَعَدَ خَارِجًا وَبَكَى، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم … فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَرَأَى رَجُلًا ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ رَقَعَ بُرْدَةً لَهُ بِقِطْعَةِ فَرْوٍ، فَاسْتَقْبَلَ مَطْلَعَ الشَّمْسِ وَقَالَ: هَكَذَا بِيَدِهِ -وَصَفَ حَمَّادٌ بِيَدَيْهِ بِبَاطِنِ الْكَفَّيْنِ وَمَدَّ يَدَيْهِ- تَطَالَعَتْ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا!! أَيْ أَقْبَلَتْ. حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ يَقَعُ عَلَيْنَا- وَيَغْدُو أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ وَيَرُوحُ فِي أُخْرَى، وَتَسْتُرُونَ بُيُوتَكُمْ كَمَا تَسْتُرُونَ الْكَعْبَةُ ).

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ: ( كَيْفَ لَا أَبْكِي وَقَدْ رَأَيْتُكُمْ تَسْتُرُونَ بُيُوتَكُمْ كما تسترون الكعبة ).

وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم؛ على أنه يكره ستر الحيطان لغير حاجة، فإن اقترن به محرم صار هذا الستر محرما، كأن يفعل من باب الفخر والكبر والخيلاء، ونحو هذا.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

"‌‌ فأمّا ستر الحيطان بستور غير مصوّرة: فإن كان لحاجة، من وقاية حر أو برد، فلا بأس به؛ لأنّه يستعمله في حاجته، فأشبه السّتر، على الباب، وما يلبسه على بدنه. وإن كان لغير حاجة، فهو مكروه ... وهذا مذهب الشّافعي ، إذ لم يثبت في تحريمه دليل، وقد فعله ابن عمر، وفُعل فى زمن الصّحابة، رضي اللَّه عنهم. وإنّما كرهَ لما فيه من السّرف، كالزّيادة في الملبوس، والسّرف في المأكول.

وقد قيل: هو محرّم؛ للنّهي عنه. والأوّل أولى؛ فإنّ النّهى لم يثبت، ولو ثبت يحمل على الكراهة؛ لما ذكرناه " انتهى. "المغني" (10 / 203).

وهذا الذي يقال في الستور، يقال في أوراق الشجر الصناعية التي تستر بها الحيطان، فإن كانت تفعل للحاجة، كأن تكون بدلا للطلاء أو الورق، وبتكلفة لا تخرج عن حد المعروف: فلا حرج في ذلك.

سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

"‌‌ ما حكم ‌ستر ‌الجدران بالديكور؟ وما حكم وضع ستارة تزيد على مساحة النافذة؟

الجواب: ما فيه شيء، وكذا ما زاد عن مساحة النافذة لا يعد اليوم إسرافا.

وبالنسبة لستر الجدران: فيه فائدة، وهو أنه يدفئ في فصل الشتاء، ويبرد في فصل الصيف، فيجوز ما لم يصل إلى حد الإسراف " انتهى. "الكنز الثمين في سؤالات ابن سنيد لابن عثيمين" (ص175 بترقيم الشاملة).

وأما إن كان يفعل ذلك بتكلفة فوق ما يعتاد في مثل ذلك حتى تخرج إلى حد السرف، أو من باب التفاخر، فلا شك في تحريم هذا.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android