أولا:
لا شك أن طاعة الرجل لأمه من أسباب الجنة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، قِيلَ: مَنْ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ ) رواه مسلم (2551).
وعن طَيْسَلَة بْن مَيَّاسٍ قَالَ: ... قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: أَتَفْرَقُ النَّارَ، وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ قُلْتُ: أي، وَاللَّهِ! قَالَ: أَحَيٌّ وَالِدُكَ؟ قُلْتُ: عِنْدِي أُمِّي، قَالَ: ( فَوَاللَّهِ لَوْ أَلَنْتَ لَهَا الْكَلَامَ، وَأَطْعَمْتَهَا الطَّعَامَ، لَتَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مَا اجْتَنَبْتَ الْكَبَائِرَ ) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (8)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (ص 35).
وإذا كان للزوج هذا السبب للجنة، فللزوجة سببان : طاعة زوجها.
روى ابن حبان (4163) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خُمُسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا، دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الجنَّةِ شَاءَتْ )، وحسّنه الشيخ الألباني بشواهده في "صحيح الترغيب والترهيب" (2 / 411).
وعَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ: ( أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟
قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ: كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟
قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ.
قَالَ: فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (31 / 341)، وصحح اسناده الشيخ الألباني (2 / 412).
والسبب الثاني : طاعة والديها أيضا؛ فتتناولها نصوص وجوب طاعة الوالدين، ولا يستثنى من ذلك إلا ما تعارض مع طاعة الزوج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" المرأة إذا تزوجت: كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب، قال الله تعالى: ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ).
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة).
وفي صحيح أبي حاتم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت)... والأحاديث في ذلك كثيرة...
فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة " انتهى. "مجموع الفتاوى" (32 / 262 - 263).
ثانيا:
ينبغي للرجل أن يحسن معاملة أم زوجته فذلك من محاسن الأخلاق، والشرع قد حث على الإحسان إلى الزوجات.
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ ) رواه الترمذي (1162) وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".
ولا شك أن الإحسان إلى أم الزوجة هو إحسان إلى الزوجة، وأي إساءة إليها يؤذي الزوجة أيضا.
ومن الإحسان للزوجة وأمها : أن ينصح الرجل زوجته ، ويمكّنها من بر والدتها متى أمكن ذلك ولم يرجع عليه بضرر.
لكن درجة حسن المعاملة من الرجل لوالدته ، لا تساويها درجة الإحسان لأي قريب أو صهر.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟
قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ ) رواه البخاري (5971) ومسلم (2548).
فحق الأم مقدم ، حتى على الأب .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قال القرطبي: المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر، وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة، وقال عياض: وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب، وقيل يكون برهما سواء، ونقله بعضهم عن مالك، والصواب الأول " انتهى. "فتح الباري" (10 / 402).
وقال ابن بطال رحمه الله تعالى:
" وحديث أبى هريرة يدل على أن لها ثلاثة أرباع البرّ، وهو الحجة على من خالفه " انتهى. "شرح صحيح البخاري" (9 / 191).
وهذا فيما يتعلق بحسن المعاملة والطاعة، والمكانة والتقدير والاحترام، والبر والصلة.
وأما فيما يتعلق بالحقوق المادية كالنفقة والمسكن ، ونحو هذا : فالزوجة مقدمة على سائر الأقارب؛ لأن هذا واجب على الزوج بمقتضى العقد الذي بينهما؛ فلا يجوز له أن يضيعه.
وقد سبق بيان هذا في الجواب رقم (129344).
والله أعلم.