الثلاثاء 9 رمضان 1445 - 19 مارس 2024
العربية

هل يستحب غسل اليدين بالصابون ؟

السؤال

هل كان النبي صلى الله عليه وسلم حذرا من الجراثيم ، وهل كان يستخدم الصابون أو ألياف اللوتس . يخبرنا الأطباء اليوم أن نغسل أيدينا كثيرا ، وأن نستخدم الصابون والماء ، والصابون أيام النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كأيامنا اليوم ، فهل نتبع الطرق الحديثة للوقاية ، أم أن الماء يكفي فهو الذي كان أيام النبي صلى الله عليه وسلم . إذا كانت الجراثيم مقلقة ، وعلينا أن نتبع ما يقال لنا ، فهل نستبدل الصابون بألياف اللوتس أو البوتاس كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل يكون ثوابنا أكبر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء ، مثل استخدام البوتاس ، وقليل من الصابون والماء ، وأن لا نُغَيِّرَ ، ونمتلك الكثير من الملابس ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

الشريعة الإسلامية شريعة مرنة ، مبنية على قواعد عامة ، وأصول كلية ، تضبط تصرفات البشر ، وتفسح لهم – في الوقت نفسه – فسحة من السعة التي تحدث بتغير الزمان والمكان .

ومن ذلك أنها لم تضيق على الناس في أبواب " العادات " والأفعال الدنيوية البحتة ، بل تركت لهم حرية التصرف فيها بما يتناسب مع رغباتهم ومصالحهم وما ينفعهم ، ما لم تخالف تلك العادة نصا من الكتاب والسنة ، وهذا معنى ما يقرره الفقهاء والأصوليون من قولهم : الأصل في العادات الإباحة والعفو .

وعلى هذا ، فلا حرج على المسلم من الاستفادة مما تم اختراعه أو اكتشافه حديثاً ، كالسيارات والطائرات والكهرباء .. ووسائل تنظيف البدن أو الثياب الحديثة .

ولا يطلب من المسلم الرجوع إلى ركوب الإبل أو استعمال المنظفات التي كان يستعملها النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن ذلك ليس من العبادات ، التي يطلب فيها اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هي من العادات .

قال الشاطبي رحمه الله :

" العادات : الشارع قصد فيها اتباع المعاني ، لا الوقوف مع النصوص ، بخلاف باب العبادات ، فإن المعلوم فيه خلاف ذلك " انتهى باختصار.

" الموافقات " (2/523).

فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على النظافة وعلى ما يحفظ الصحة بوجه عام ، واستعمل لذلك من الأساليب والأشياء ما كان موجوداً في عصره صلى الله عليه وسلم ، فإذا جَدَّ جديد وكان يؤدي إلى الغاية نفسها (أي : النظافة وحفظ الصحة) من غير مضرة فلا حرج على المسلم من استعماله والاستفادة منه .

وفي شريعتنا الكثير من التشريعات التي تدل على العناية بالنظافة ، نظافة البدن والثياب والمكان ، ويكفي لتقرير ذلك أن الوضوء - الذي يشتمل على غسل اليدين والفم والأنف والوجه - هو شرط من شروط صحة الصلاة التي هي عمود الدين .

واستعمال المنظفات مع الماء لم يكن كثيراً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لقلة هذه المنظفات ، ولقلة الماء نفسه .

ومع ذلك فقد ثبت في السنة استعمال " السدر " في بعض الأغسال التي تقتضي مزيد عناية وتنظف ، كغسل الميت ، وغسل الحائض ، وغسل الكافر إذا أسلم ، وذكر الفقهاء استعمال مادة " الأشنان " أيضا للتنظف والاغتسال .

والأشنان : شجر من الفصيلة الرمرامية ، ينبت في الأرض الرملية ، يستعمل هو أو رماده في غسل الثياب والأيدي . " المعجم الوسيط " (1/19) .

وأما السدر : فهو نبات ينبت على الماء ، ثمره النبق ، وورقه غسول . انظر: "لسان العرب" (4/354) .

عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ ، فَقَالَ : اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ) رواه البخاري (1253) ومسلم (939) .

قال النووي رحمه الله :

" فيه دليل على استحباب السدر في غسل الميت ، وهو متفق على استحبابه " انتهى.

" شرح مسلم " (7/3) .

وقال ابن رجب رحمه الله :

" قالَ الميموني : قرأت على ابن حنبل : أيجزئ الحائض الغسل بالماء ؟

فأملى عليّ : إذا لم تجد إلاّ وحده اغتسلت به ، قالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( ماءك وسدرتك ) ، وهو أكثر من غسل الجنابة .

قلت : فإن كانت قد اغتسلت بالماء ، ثُمَّ وجدته ؟

قالَ : أحب إلي أن تعود لما قالَ " انتهى.

" فتح الباري " (1/471-472)

وعَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه أَنَّهُ أَسْلَمَ (فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) رواه الترمذي (605) وقال : حسن . وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".

ولا يخفى أن استعمال مادة " السدر " في الاغتسال ليس على سبيل التعبد ، بل هو من أمور العادات التي تتغير بتغير الزمان والمكان ، فمن استعمل أي مادة منظفة تقوم مقام "السدر" فقد حقق السنة ، وعمل بالمعنى والغاية التي أرادها الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمر بالغسل بالسدر .

وقد سبق في موقعنا في العديد من الأجوبة بيان أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي فعلها على وجه العادة أو بمقتضى الجبلة البشرية لا يستحب تقليده فيها ، وليس فيها مزيد أجر على غيرها من الأمور العادية ، وإنما يتحقق الأجر في سنن العبادات وما يتعلق بها .

قال الشيخ الدكتور محمد الأشقر رحمه الله :

" حكم هذه الأمور العادية وأمثالها ، أنها تدل على الإباحة لا غير ، إلا في حالين :

1- أن يرد قول يأمر بها أو يرغب فيها ، فيظهر أنها حينئذ تكون شرعية .

2- أن يظهر ارتباطها بالشرع بقرينة غير قولية : كتوجيه الميت في قبره إلى القبلة ، فإن ارتباط ذلك بالشرع لا خفاء فيه " انتهى .

" أفعال الرسول " (1/237).

وانظر جواب السؤال رقم : (69822) .

ثانياً :

أما ما ذكرته من عدم امتلاك الكثير من الثياب فالمطلوب من المسلم فيما يتعلق بالأكل والشرب واللباس والسكن الذي يسكن فيه والأثاث الذي يجلس عليه ... ونحو هذه الأشياء ، أنه لا يتجاوز ما يحتاج إليه ، فيكون ما عنده من الثياب والأثاث والفرش على قدر حاجته بلا زيادة ، فإن زاد عما يحتاج إليه فقد دخل في الإسراف المذموم شرعاً ، قال الله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) .

قال السعدي رحمه الله :

"والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات التي تضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفُّه والتنوُّق في المآكل والمشارب واللباس ، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام .

(إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) : فإن السرف يبغضه الله ، ويضر بدن الإنسان ومعيشته ، حتى ربما أدَّت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات . ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب ، والنهي عن تركهما وعن الإسراف فيهما" انتهى .

"تفسير السعدي" (صـ 311) .

وروى ابن ماجه (3605) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ أَوْ مَخِيلَةٌ) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب