الاثنين 20 شوّال 1445 - 29 ابريل 2024
العربية

تأخر المشتري في السداد، فهل له الاتفاق معه أن يكون السداد بالذهب؟

493375

تاريخ النشر : 24-01-2024

المشاهدات : 429

السؤال

إذا اتفق اثنان على بيع وشراء منزل وعلى موعد، وتأخر المشتري عن السداد، فاتفق مع البائع على أن يسد قيمة المبلغ بالذهب، فهل يصح ذلك؟ وما حكم الشرط الجزائي في عقد بيع وشراء أرض؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إذا تأخر المشتري في سداد الثمن، فاتفق مع البائع على أن يسدد المبلغ بالذهب، فهذا له صور:

1-أن يعطيه في الحال ذهبا، فلا بأس ذلك إذا كان بسعر يوم السداد، أو أقل، ويعتبر هذا صرفا بين "ذهب"، وما في ذمة الرجل من "الجنيهات"، والصرف على ما في الذمة كالصرف على الحاضر.

والأصل في ذلك: ما روى أحمد (6239)، وأبو داود (3354)، والنسائي (4582)، والترمذي (1242)، وابن ماجه (2262) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ [أي مؤجلا] وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال (لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ) والحديث صححه بعض العلماء كالنووي، وأحمد شاكر، وصححه آخرون من قول ابن عمر، لا من قول النبي صلى الله عليه وسلم منهم الحافظ ابن حجر والألباني. وانظر: "إرواء الغليل" (5/ 173).

وإنما مُنع من أن يأخذ بأكثر من سعرها، حتى لا يربح فيما لم يضمن.

قال ابن قدامة رحمه الله: "ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر، ويكون صرفا بعين وذمة، في قول أكثر أهل العلم" انتهى من "المغني" (4/37). واحتج بحديث ابن عمر.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الواجب أن يرد عليك ما أقرضته دولارات؛ لأن هذا هو القرض الذي حصل منك له.

ولكن، مع ذلك: إذا اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية: فلا حرج، قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نبيع الإبل بالبقيع - أو بالنقيع - بالدراهم، فنأخذ عنها الدنانير، ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء)؛ فهذا بيع نقد بنقد من غير جنسه، فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب بالفضة. فإذا اتفقت أنت وإياه على أن يعطيك عوضاً عن هذه الدولارات من الجنيهات المصرية، بشرط ألا تأخذ منه جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل؛ فإن هذا لا بأس به.

فمثلاً إذا كانت 2000 دولار تساوي الآن 2800 جنيه: لا يجوز أن تأخذ منه ثلاثة آلاف جنيه، ولكن يجوز أن تأخذ 2800 جنيه، ويجوز أن تأخذ منه 2000 دولار فقط؛ يعنى أنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل، أي لا تأخذ أكثر؛ لأنك إذا أخذت أكثر، فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن، وأما إذا أخذت بأقل فإن هذا يكون أخذاً ببعض حقك، وإبراء عن الباقي، وهذا لا بأس به " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (2/414).

2-أن لا يعطيه ذهبا في الحال، وإنما يتفقان على ذهب مؤجل بسعر يوم الموعد الفائت، أو بسعر الآن، أي يوم الاتفاق، وهذا محرم؛ لأنه صرف مؤجل، صرف على ما في الذمة من الجنيهات، بذهب مؤجل، وهذا ربا؛ لأنه يشترط عند مبادلة النقود بالذهب، أو العكس التقابض: في المجلس؛ لما روى مسلم (1588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا).

وعن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587).

والعملات والنقود: لها ما للذهب والفضة من الأحكام، فيجب التقابض عند مبادلة هذه الثلاثة بعضها ببعض.

وعليه؛ فإنه يبقى في ذمة المشتري جنيهات كما هي، ولا يجوز أن يتفق على أن يبقى في ذمته ذهب بأي سعر كان.

والحل هنا حتى لا يضيع حق البائع : أن له حق فسخ العقد ، واسترداد المنزل ، ويرد الأقساط التي دفعها له المشتري .

فقد نص العلماء على جواز فسخ البائع للعقد، إذا كان المشتري معسرا أو مماطلا .

جاء في "الموسوعة الفقهية" (32/136) : "وَيَرَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا كَانَ مُوسِرًا مُمَاطِلاً: فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُخَاصَمَةِ ، قَال فِي الإِنْصَافِ : وَهُوَ الصَّوَابُ" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين : "لو كان البائع يعلم بعسرة المشتري ، فإنه لا خيار له ، فالرجل مثلاً إذا باع على إنسان سلعة يظن أنه غني ، ثم تبين أنه معسر: فله الفسخ ؛ لأن في إنظاره ضرراً عليه.

أما إذا باع هذه السلعة على شخص ، وهو يعلم أنه معسر: فإنه لا خيار له ؛ لأنه دخل على بصيرة " انتهى من "الشرح الممتع" (8/364).

وقال أيضا: " إذا ظهر أنه مماطل: فللبائع الفسخ ؛ لأن بعض المماطلين أسوأ حالاً من الفقراء ، فإن الفقير ربما يرزقه الله المال فيوفي ، والمماطل إذا كان هذا من عادته، فإنه يصعب جداً أن يوفي .

فالصواب أن للبائع الفسخ حفاظاً على ماله.

وفيه ـ أيضاً ـ مع كونه حفاظاً على مال البائع، ردع للمماطل ؛ لأن المماطل إذا علم أنه إذا ماطل فُسِخَ البيع، فسوف يتأدب ولا يماطل في المستقبل ". انتهى "الشرح الممتع" (8 / 364) .

ثانيا:

الشرط الجزائي في العقود المالية جائز، ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دَيْناً .

فلا يجوز مثلاً أن يُشترط على من اشترى أرضا بثمن مؤجل أو مقسط، أن يدفع شيئا زائدا على هذا الثمن إن تأخر في السداد، لأن هذه الزيادة ستكون زيادة على الدَّيْن، وهو ربا صريح.

أما ما عدا الدَّيْن من الحقوق والالتزامات، فيجوز الشرط الجزائي فيها، كما لو شرط أن من فسخ العقد يدفع مالا، أو إذا تأخر المقاول في تنفيذ الأعمال دفع عن كل يوم كذا، وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (112090)، ورقم: (354831).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب