الخميس 23 شوّال 1445 - 2 مايو 2024
العربية

ما الذي يصرف الناس عن الانضباط في الأهداف الدنيوية المفيدة؟

432487

تاريخ النشر : 18-04-2024

المشاهدات : 1099

السؤال

ما يعملُ ضِدَّنا عندما نكون في بعض المساعي الدنيوية المفيدة مثل التعليم ، التمارين الرياضية ، الأعمال التجارية الخ ، أنّ مُعظَم الناس غير منضبطين؟ في علم النفس ، يُطلَقُ عليه \"المُقاوَمَة\". إنهم يستخدمون الكلمة للإشارة إلى قُوَّة تعملُ ضِدَّنا (سواء في الأمور الدنيوية أو الدينية)، عندما يفعلون أيّ شيء صعب على المدى القصير ولكنّه مُفيد على المدى الطويل. نحنُ نعلمُ أنّ الشيطان يصرفنا فقط عن الأهداف الدينية. إذن ما الذي يجعل الناس في الواقع غير منضبطين في الأهداف الدنيوية وفقا للقرآن والسنة؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

الانضباط الشخصي في الأهداف عمومًا، سواء كانت دنيوية أو أخروية؛ هو جوهر الفاعلية والإنجاز، ويمكن تعريف الانضباط الشخصي بأنه: القدرة على فعل ما يجب عليك فعله، حينما يجب عليك فعله، سواء كنت تجد الرغبة والدافعية لفعله، أو لا تجدها.

ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) أخرجه مسلم (2664)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من العجز والكسل، فعن أَنَس بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) أخرجه البخاري(2823) ومسلم (2706).

والعجز هو قعود الإنسان عما ينبغي عليه فعله ظنًا منه أنه لا يقدر عليه، والكسل هو قعود الإنسان عما يجب عليه فعله مع علمه أنه يقدر عليه.

وكلا الصفتين هما بمثابة الأضداد العكسية للانضباط الذاتي، وتكون المحصلة النهائية هي ضعف فاعلية الإنسان وعدم قدرته على إنجاز أهدافه والقيام بمسؤولياته.

ثانيًا:

الأسباب التي تعوق الإنسان عن الانضباط الذاتي وتحول بينه وبين أداء مهامه؛ متنوعة، ويمكننا ذكر بعضها فيما يلي:

(1) عدم وجود شبكة إجراءات متسلسلة مكونة من أجزاء صغيرة تصل بنا حتى الهدف. ويمكنك الاعتبار بالصلاة مثلًا، فلم يقل لنا سبحانه وتعالى: "صلوا"، بل شرع لنا شبكة من الإجراءات الموزعة على الأوقات، والمدعومة بالعمل الجماعي، من شأنها أن تصل بنا في النهاية إلى تحقيق هذا الهدف، وستجد قبل كل صلاة خطوات تهيئة صغيرة، مثل الأذان التنبيهي، ثم التطهر، والمشيء بسكينة حتى الصلاة وهكذا.

وفكرة الخطوات الصغيرة مهمة في الشرع، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ) أخرجه مسلم(782)، وتقول عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً) أخرجه البخاري(1987).

ومثل هذا: التدرج في تشريع الصيام، والتدرج في تحريم الخمر، دائمًا خطوات متدرجة، تراعي في الحكمة أحوال الناس، وما يطيقون، وما يصلح عليه أمرهم.

 (2) عدم وجود مواعيد نهائية للإنجاز، واعتبر بالصلاة مرة أخرى، وكيف أن لكل صلاة بداية وقت ونهاية وقت، وكذلك الصيام.

(3) الرغبة في الكمال وصنع الشيء على وجه تام، أو لا تصنعه، وهذه الرغبة تكون نتيجتها في النهاية أنك لا تصنعه، ويبطل الوحي هذه الفكرة فيقول سبحانه: فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ التغابن/16، ويقول عليه الصلاة والسلام: (لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ) أخرجه البخاري(1150) ومسلم (784).

(4) عدم وضوح المهام اليومية أو الإسراف في المهام اليومية، والواجب التركيز على هدفين أو ثلاثة، تكون شديدة التأثير في مشروعك الأهم، فإذا أنجزتها تنتقل إلى قائمة فرعية، تكون سجلت فيها عددًا آخر من المهام، مما يتصل بمشروعك الكبير أو غيره، يقول عليه الصلاة والسلام: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ، وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ) أخرجه البخاري (1151) ومسلم(782).

(5) العمل على عدة مشاريع كبيرة في وقت واحد، والتشتت بينها.

(6) البدء في مهمة كبيرة دون إعداد كاف، أو دون امتلاك مهارات مناسبة، أو دون امتلاك أدوات مناسبة.

(7) الإسراف في النشاطات الاجتماعية ومضيعات الأوقات.

(8) إهمال أوقات الترفيه والاستمتاع الشخصي.

(9) إهمال الاستعانة بخبرات الآخرين، أو جهودهم، والإعراض بالكلية عن العمل الجماعي، في الموضع الذي يتطلبه، ويحتاج إليه.

(10) عدم فهم المشاعر المعوقة عن الإنجاز وعدم القدرة على التعامل معها.

ثالثًا:

المهارات الأساسية التي يعد الانضباط الذاتي جزءًا منها، هي ما يسمى بالـ"المهارات التنفيذية" وننصح هنا بكتاب: اسمه: "ذكي ولكن مشتت"؛ نرجو أن يساعدك في الوقوف بشكل أدق على مواضع الخلل وطرق العلاج.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب