ما معنى عبارة: حديث ضعيف لكن معناه صحيح.

20-02-2020

السؤال 324996

ما معنى أن الحديث ضعيف ، لكن معناه صحيح؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الحديث يكون صحيحا بشروط لا بد من توفرها فيه، هي:

الشرط الأول: اتصال السند: وهو أن يكون كل راو في السند قد أخذ الحديث عن الراوي قبله (شيخه) مباشرة، إلى أن يصل السند إلى نهايته. فلهذا وجود انقطاع في سلسلة السند يضعفه ويخرجه عن حدّ الصحة.

الشرط الثاني: أن يكون كل راو في السند قد تحققت عدالته، بأن يكون مسلما موثوقا بدينه وتقواه.

الشرط الثالث: أن يكون كل راو في السند قد تحقق ضبطه، وهو إن كان يحدث من حفظه فيكون ممن ثبت أنه متقن لما يحفظ، وإن كان يحدث من كتابه فيكون ممن عرف بمحافظته على ما كتبه عن شيوخه فلا تلحقه زيادة ولا نقصان.

الشرط الرابع: أن يكون الحديث سالما من الشذوذ: فلا يخالف فيه راويه الجماعة ومن هو أرجح منه في الحفظ.

قال الشافعي رحمه الله تعالى:

" ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف فيه الناس، هذا الشاذ من الحديث " انتهى من "معرفة علوم الحديث" للحاكم (ص 119).

الشرط الخامس: أن يكون الحديث سالما من العلة، والعلة هي شيء خفي يؤثر في صحة الحديث، مع أنه في الظاهر سالم منها.

قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى:

" فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها " انتهى من "مقدمة ابن الصلاح" (ص 187).

والسبيل إلى معرفتها هو بجمع أسانيد الحديث وطرقه ودراستها ومقارنة بعضها ببعض.

قال الخطيب رحمه الله تعالى:

" والسبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط " انتهى من"الجامع" (2 / 295).

وقد لخص هذه الشروط الإمام الشافعي رحمه الله تعالى؛ بقوله:

" ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا:

منها: أن يكون من حدث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدِّث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، أو أن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدث على المعنى وهو غير عالم بما يحيل به معناه: لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث، حافظا إن حدث به من حفظه، حافظا لكتابه إن حدث من كتابه. إذا شرك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم، بريا من أن يكون مدلسا: يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبي ما يحدث الثقات خلافه عن النبي.

ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه، حتى ينتهى بالحديث موصولا إلى النبي أو إلى من انتهي به إليه دونه، لأن كل واحد منهم مثبت لمن حدثه، ومثبت على من حدث عنه، فلا يستغنى في كل واحد منهم عما وصفت " انتهى من "الرسالة" (ص 370 - 372).

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (122507).

ثانيا:

كثيرا ما يكون سبب الضعف راجعا إلى الإسناد وحده، كعدم تحقق الشرط الأول – اتصال السند- وذلك بأن يكون راوي الحديث يرويه عن شيخ لم يلتق به، أو لم يعش معه في عصر واحد.

أو يكون الضعف بسبب أن الراوي ضعيف؛ كأن يكون من عادته النسيان والخطأ ونحو هذا.

فإذا كان السند ضعيفا؛ يصبح غير صالح للاعتماد عليه في نسبة متن الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإسناد هو دليل الإثبات.

لكن: إن كان هذا الضعف يمنعنا من نسبة المتن إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو ليس دليلا على فساد معنى المتن ، ولا يلزم منه ذلك، فقد يكون كلاما صحيح المعنى لوجود أدلة أخرى تدل عليه كآية من القرآن، أو حديث آخر، أو إجماع، أو يوافقه قياس صحيح، ونحو هذا.

وعلى هذا ، فإذا نص المحدثون على ضعف مثل هذا الحديث ، فإنما يعنون أن إسناده لا يقوى على أن يكون دليلا على نسبة متنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن ينبّهون القارئ والسامع إلى عدم بطلان معناه ، ولا أن قواعد الشرع ترده ، لوجود أدلة أخرى عليه؛ فيقولون "صحيح المعنى" ، أو "معناه صحيح" ونحو هذا.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" والحديث الضّعيف لا يُدْفَع ، وإن لم يُحْتَجَّ به، وَرُبَّ حديث ضعيف الإسناد : صحيح المعنى" انتهى من"التمهيد" (1 / 58).

ومن أمثلة هذا:

ما رواه ابن ماجه (521)؛ عن رِشْدِين قَالَ: أَنْبَأَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ، إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ .

فعند النظر في سند هذا الحديث نجد في رواته الراوي رِشْدِين، وهو: رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ.

والعلماء ينصون على ضعف رشدين بسبب غفلة كانت فيه أدت إلى وجود الغلط والوهم في أحاديثه التي يحدث بها.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" رشدين بن سعد أبو الحجاج المصري ضعيف...

وقال ابن يونس: كان صالحا في دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 209).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" كان صالحا عابدا محدثا سيء الحفظ " انتهى من"الكاشف" (1 / 397).

ولذا ضعّف أهل العلم نسبة متن هذا الحديث إلى كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

قال البيهقي رحمه الله تعالى:

" ... قال الشافعي رحمه الله: وما قلت: من أنه إذا تغير طعم الماء وريحه، ولونه كان نجسا، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، من وجه لا يثبت أهل الحديث إسناده " انتهى من "معرفة السنن" (2 / 82).

لكن متن الحديث: ( إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ ) معناه صحيح؛ أي: أن الماء إذا خالطته نجاسة حتى ظهر أثرها في ريح الماء أو طعمه أو لونه فإنه يصبح نجسا.

ودليل صحة هذا المعنى هو الإجماع.

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:

" أجمع أهل العلم على أن الماء القليل أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت النجاسة الماء طعما، أو لونا، أو ريحا، أنه نجس ما دام كذلك، ولا يجزي الوضوء والاغتسال به " انتهى من "الأوسط" (1 / 260).

ومثال آخر:

ما رواه أبو داود (1518) عن الْحَكَم بْن مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ، جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ  .

ففي سند هذا الحديث الراوي الْحَكَم بْن مُصْعَبٍ، وهو مجهول.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" وسنده ضعيف، الحكم بن مصعب مجهول كما قال الحافظ في "التقريب" " انتهى من "السلسلة الضعيفة" (2 / 142).

لكن رغم ضعف إسناده إلا أن متنه:   مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ، جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ   معناه صحيح لأنه قد وردت آيات من القرآن تشير إليه وتدل عليه.

سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" ورد في معنى الحديث (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) ما صيغة ذلك الاستغفار فضيلة الشيخ؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أوّلا هذا الحديث ضعيف، ولكن معناه صحيح؛ لأن الله تعالى قال: ( وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) وقال تعالى عن هود: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ) .

ولا شك أن الاستغفار سبب لمحو الذنوب، وإذا محيت الذنوب تخلفت آثارها المرتبة عليها وحينئذٍ يحصل للإنسان الرزق والفرج من كل كرب ومن كل همّ، فالحديث ضعيف السند، لكنه صحيح المعنى " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (2 / 571).

ومثال آخر:

روى أبو داود (2178) عن مُحَمَّد بْن خَالِدٍ، عَنْ مُعَرِّفِ بْنِ وَاصِلٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ  .

وهذا الحديث ضعّفه أهل العلم بسبب أن محمد بن خالد رواه عن معرف بن واصل عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

وخالف مجموعة من الرواة خالدا فرووه عَنْ مُعَرِّفِ بْنِ وَاصِلٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مرسلا، والمرسل نوع من الحديث الضعيف.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" وجملة القول: أن الحديث رواه عن معرف بن واصل أربعة من الثقات، وهم: محمد ابن خالد الوهبي، وأحمد بن يونس، ووكيع بن الجراح، ويحيى ابن بكير.

وقد اختلفوا عليه، فالأول منهم رواه عنه عن محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعا.

وقال الآخرون: عنه عن محارب مرسلا.

ولا يشك عالم بالحديث أن رواية هؤلاء أرجح، لأنهم أكثر عددا، وأتقن حفظا، فإنهم جميعا ممن احتج به الشيخان في "صحيحيهما"، فلا جرم أن رجح الإرسال ابن أبى حاتم عن أبيه كما تقدم، وكذلك رجحه الدارقطني في "العلل" والبيهقي كما قال الحافظ في "التلخيص"، وقال الخطابي وتبعه المنذري في "مختصر السنن": والمشهور فيه المرسل. " انتهى من "إرواء الغليل" (7 / 108).

لكن الحديث رغم ضعف اسناده؛ إلا أن معناه له وجه من الصواب.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) وهذا الحديث ليس بصحيح لكن معناه صحيح، أن الله تعالى يكره الطلاق ولكنه لم يحرمه على عباده للتوسعة لهم، فإذا كان هناك سبب شرعي أو عادي للطلاق صار ذلك جائزا، وعلى حسب ما يؤدي إليه إبقاء المرأة إن كان إبقاء المرأة يؤدي إلى محظور شرعي لا يتمكن رفعه إلا بطلاقها فإنه يطلقها، كما لو كانت المرأة ناقصة الدين أو ناقصة العفة وعجز عن إصلاحها، فهنا نقول: الأفضل أن تطلق، أما بدون سبب شرعي أو سبب عادي فإن الأفضل ألا يطلق، بل إن الطلاق حينئذ مكروه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (55 / 10 ترقيم الشاملة).

ويؤكد صحة هذا المعنى حديث آخر، وهو حديث جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ. - قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: فَيَلْتَزِمُهُ "   رواه مسلم (2813).

وشيء يفرح الشيطان به، لا شك أنه بغيض إلى الله سبحانه وتعالى.

وفي هذا الرابط بحث مفيد حول هذه المسألة أيضا :

https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=188274

والله أعلم.

الحديث وعلومه
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب