شروط التأويل عند أبي حيان وقانون تعارض الظني والقطعي

19-02-2020

السؤال 318270

أريد شرح كلام لأبي حيان الأندلسي في تفسيره "البحر المحيط"؛ لأنني في أمس الحاجة لفهمه بدقة، نص الكلام:" وصرف اللفظ عن الراجح إلى المرجوح لا بد فيه من دليل منفصل، فإن كان لفظيا فلا يتم إلا بحصول التعارض، وليس الحمل على أحدهما أولى من العكس، ولا قطع في الدليل اللفظي، سواء كان نصا أو أرجح لتوقفه على أمور ظنية، وذلك لا يجوز في المسائل الأصولية. فإذن المصير إلى المرجوح لا يكون بواسطة الدلالة العقلية القاطعة، وإذا علم صرفه عن ظاهره فلا يحتاج إلى تعيين المراد، لأن ذلك يكون ترجيح مجاز على مجاز، وتأويل على تأويل"(3/24) .

الجواب

الحمد لله.

حاصل كلام أبي حيان رحمه الله ما يلي:

1-أن الأصل حمل الكلام على ظاهره، ولا يصرف عن ظاهره إلا بدليل منفصل.

2-أن هذا الدليل الصارف لا بد أن يكون معارضا لظاهر الكلام الأول.

ويمكن أن يمثل له في العقائد بنصوص الصفات الخبرية كالوجه واليدين والاستواء والنزول، فلو فرض وجود معارض لفظي، أي دليل نصي آخر ينفي صفة من هذه الصفات، فليس أحد الدليلين أولى من الآخر؛ لأنه يمكن أن يقال في الدليل المعارِض: إنه مصروف عن ظاهره للدليل الأول، كما يقال عكسه تماما.

3-أنه لا مجال هنا لأن يقال: عند التعارض يقدم القطعي على الظني؛ لأنه – وفق هذا التقرير - لا يتصور وجود قطعي في الأدلة اللفظية؛ لأن الدليل ، ولو كان نصا وهو ما لا يحتمل إلا معنى واحدا، فإنه ظني؛ لأن يتوقف على أمور ظنية، كعدم احتمال النسخ والاشتراك والتخصيص والتقييد.

وهذا القانون قد سبق إلى تقريره : فخر الدين الرازي ، وهو ما عرف بعد بـ (المعارض العقلي)، وكلام أبي حيان هنا مأخوذ من تقرير الرازي، ومنقول عنه.

انظر: "أساس التقديس"، ص137

4-أن الأدلة اللفظية إذا كانت ظنية، فإنها جميعا لا يعمل بها في المسائل الأصولية، وهذا هو المشهور عند المتكلمين، ولهذا يعولون على الدليل العقلي بزعم أنه قطعي.

5-أنه لا يصير إلى المرجوح إلا عند قيام الدليل القاطع على استحالة الظاهر، وهذا معنى قوله: " فإذن المصير إلى المرجوح لا يكون إلا بواسطة الدلالة العقلية القاطعة" .

6-أن الدليل اللفظي ما دام ظنيا، ووجد ما يعارضه، وليس أحدهما أولى من الآخر، فإذا قام الدليل القاطع على استحالة ظاهره، فيكفي أن نقول: إنه مصروف عن ظاهره، ولا نحتاج إلى تعيين المعنى الراجح، لأن هذا من تقديم مجاز على مجاز، وتأويل على تأويل، فالمصير إذن ، وفق هذا التقرير : هو التفويض في المسائل الأصولية، أو البحث عن مرجح خارجي إذا كانت المسألة في الفروع.

هذا ما يتعلق بتقرير كلام أبي حيان، وفيه من أغلاط المتكلمين ما هو معروف، كدعواهم أن الأدلة النقلية لا تفيد اليقين ولا يكون شيء منها قطعيا، ودعواهم قيام الدليل العقلي على استحالة بعض الظواهر، ومرادهم بالدليل العقلي دليل حدوث الأجسام والأعراض، ودليل التركيب، وما شابه، وهي أدلة ضعيفة لم يسلّم بأكثرها حذاقهم.

وينظر في نقض هذا القانون إجمالا وتفصيلا من تسعة عشر وجها: "درء تعارض العقل والنقل" لابن تيمية (1/ 79)، (1/ 86- 230).

والله أعلم.

أصول الفقه
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب