الثلاثاء 14 شوّال 1445 - 23 ابريل 2024
العربية

قضاء رمضان وما فيه من أحكام

تاريخ النشر : 03-12-2020

المشاهدات : 48379

صوم رمضان أحد الأركان التي بني عليها الإسلام، وقد أخبر الله أنه كتبه على المؤمنين من هذه الأمة، كما كتبه على من كان قبلهم، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة / 183].

فإذا دخل شهر رمضان وجب على كل مسلم مكلف مقيم صحيح أن يصومه، قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة/185].

وإن من تيسير الله لعباده أنه لم يفرض الصيام إلا على من يطيقه ، وأباح الفطر لمن لم يستطع الصوم لعذر شرعي، فشرع للمسافر والمريض - مثلاً - الفطر في رمضان لدفع المشقة عنهما، قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة/185].

على أن يقضيه حال انقطاع عذره أو شفاء مرضه وهذا من تيسير الله على عباده ولطفه بهم.

ومن مسائل وأحكام قضاء رمضان ما يلي:

 أولا: من يجب عليهم القضاء:

1- من أفطر لعذر؛ كالمريض والمسافر، والحائض والنفساء، والحامل والمرضع، والذي يرهقه الجوع أو العطش إلى حد لا يحتمله؛ فإنه يجب عليهم قضاء ما أفطروه من أيامٍ بعد رمضان.[1] 

لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة/185].

ولما ثبت عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: "مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ".[2]

2- اختلف العلماء في حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا على عدة أقوال:

القول الأول: عليهما القضاء فقط، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله. وقال به من الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

القول الثاني: إن خافتا على أنفسهما فعليهما القضاء فقط، وإن خافتا على ولديهما فعليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم، وهو مذهب الإمامين الشافعي وأحمد. وحكاه الجصاص عن ابن عمر رضي الله عنهما.

القول الثالث: عليهما الإطعام فقط، ولا قضاء عليهما. وقال به من الصحابة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وحكاه ابن قدامة في "المغني" (3/37) عن ابن عمر أيضاً رضي الله عنهما.

والأرجح هو القول الأول وهو أن عليهما القضاء فقط، واستدل من قال بذلك بأن بعدة أدلة، منها:

أ- ما رواه النسائي (2274) عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلاةِ، وَالصَّوْمَ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ) صححه الألباني في صحيح النسائي. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم حكم الحامل والمرضع كالمسافر، والمسافر يفطر ويقضي فكذلك الحامل والمرضع. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص.

ب- القياس على المريض، فكما أن المريض يفطر ويقضي فكذلك الحامل والمرضع.[3]

وقد اختار هذا القول جماعة من العلماء، وهو ما رجحه الشيخان ابن باز وابن عثيمين – رحمهما الله تعالى.[4]

3- من أفطر يومًا من رمضان بغير عذر؛ كمن لم ينو صومه من الأصل، أو أفطر بعد شروعه في الصوم لغير عذر؛ فقد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وعرض نفسه لسخط الله وعقابه، ويلزمه التوبة الصادقة النصوح، ويلزمه قضاء ما أفطره في قول عامة أهل العلم، وحكى بعضهم الإجماع عليه.

قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "وأجمعت الأمة، ونقلت الكافة، فيمن لم يصم رمضان عامداً وهو مؤمن بفرضه، وإنما تركه أشراً وبطراً، تعمَّد ذلك ثم تاب عنه: أن عليه قضاءه".[5]

وقال ابن قدامة المقدسي-رحمه الله-: "لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ كَانَ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ، فَلَا تَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِأَدَائِهِ، وَلَمْ يُؤَدِّهِ، فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ".[6]

وسئل الشيخ ابن باز-رحمه الله-: ما الحكم في شخص أفطر في رمضان بغير عذر شرعي، وهو في السنة السابعة عشرة تقريبًا، ولا يوجد له أي عذر، فماذا يعمل؟ وهل يجب عليه القضاء؟

فقال: "نعم، يجب عليه القضاء، وعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى عن تفريطه وإفطاره.

وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أفطر يومًا من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضِ عنه صيام الدهر كله، وإن صامه)، فهو حديث ضعيف مضطرب عند أهل العلم لا يصح".[7]

وقال بعض أهل العلم كالمالكية إلى وجوب الكفارة المغلظة على مَن انتهك حرمة رمضان وأفسد صومه عمدا بالأكل والشرب إذا تحققت شروط لديهم، ويكون حكمه كحكم من جامع في نهار رمضان.

والراجح: هو عدم وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان بغير الجماع ؛ لأن الأصل عدم الكفارة أو الفدية إلا فيما ورد به الشرع؛ ولم يرد في الشرع وجوب الكفارة إلا بالجماع ، ولا يصح قياس الأكل والشرب على الجماع، وهو قول الجمهور .[8]


ثانيًا: قضاء صاحب المرض الذي لا يرجى برؤه إذا عافاه الله.

1- إذا أفطر المريض، وكان مرضه مما لا يرجى برؤه، فلا يجب عليه القضاء وإنما يجب أن يطعم عن كل يوم أفطره مسكينًا.

لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة/184].

قال ابن قدامة -رحمه الله-: "وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ: يُفْطِرُ، وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا؛ لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ" .[9]

2- إذا أطعم صاحب المرض الذي لا يرجى برؤه عن كل يوم مسكيناً، ثم عافاه الله، فلا يلزمه القضاء؛ لأنه أدى ما عليه، وبرئت ذمته بذلك.

سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: إذا برئ شخص من مرض سبق أن قرر الأطباء استحالة شفائه منه، وكان ذلك بعد مضي أيام من رمضان فهل يطالب بقضاء الأيام السابقة؟

فأجاب: "إذا أفطر شخص رمضان أو من رمضان لمرض لا يرجى زواله: إما بحسب العادة، وإما بتقرير الأطباء الموثوق بهم، فإن الواجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينا، فإذا فعل ذلك وقدر الله له الشفاء فيما بعد، فإنه لا يلزمه أن يصوم عما أطعم عنه، لأن ذمته برئت بما أتى به من الإطعام بدلا عن الصوم.

وإذا كانت ذمته قد برئت فلا واجب يلحقه بعد براءة ذمته، ونظير هذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله في الرجل الذي يعجز عن أداء فريضة الحج عجزا لا يرجى زواله، فيقيم من يحج عنه ثم يبرأ بعد ذلك، فإنه لا تلزمه الفريضة مرة ثانية".[10]


ثالثًا: وقت قضاء الصيام.

1- اتفق الأئمة على أنه يجب على من أفطر أياماً من رمضان أن يقضي تلك الأيام قبل مجيء رمضان التالي، وإن أسرع في القضاء كان ذلك أفضل وأبرأ للذمة.

لما صح عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: " كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".[11]

قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-: "وَيُؤْخَذ مِنْ حِرْصهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَان أَنَّهُ لا يَجُوز تَأْخِير الْقَضَاء حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَان آخَرُ".[12]

2- من أخر قضاء الصيام حتى دخل رمضان التالي، وكان تأخيره بعذر؛ كما لو كان مريضاً واستمرَّ به المرض حتى دخل رمضان التالي؛ فلا إثم عليه في هذا التأخير؛ لأنه معذور، وليس عليه إلا القضاء فقط.

3- من أخر قضاء الصيام حتى دخل رمضان التالي ولم يكن معذورًا، فهو آثم بتأخيره، واتفق الأئمة على أن عليه القضاء مع التوبة من ذلك، ولكن اختلفوا هل يجب مع القضاء أن يطعم عن كل يوم مسكيناً أو لا؟

فذهب الأئمة مالك والشافعي وأحمد -رحمهم الله- أن عليه الإطعام.

واستدلوا بأن ذلك قد ورد عن بعض الصحابة كأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم.

واختار هذا القول الشيخ ابن باز -رحمه الله-، فقال: " عليك التوبة إلى الله سبحانه من هذا التأخير الكثير، وكان الواجب عليك أن تصوم الأيام التي أفطرتها قبل مجيء رمضان الذي بعد السنة التي أفطرت فيها، وعليك مع التوبة إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما، ومقداره كيلو ونصف تقريبا، يدفع الجميع إلى بعض الفقراء، ولو إلى فقير واحد".[13]

وذهب الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- إلى أنه لا يجب مع القضاء إطعام.

واستدل بأن الله تعالى لم يأمر مَنْ أفطر من رمضان إلا بالقضاء فقط ولم يذكر الإطعام، قال الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة/185] .[14]

وهذا القول الثاني اختاره الإمام البخاري -رحمه الله-، قال في صحيحه: "قَالَ إِبْرَاهِيمُ -يعني: النخعي-: إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلا وَابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ يُطْعِمُ. ثم قال البخاري -رحمه الله-: وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ الإِطْعَامَ، إِنَّمَا قَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}" [15].

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- وهو يقرر عدم وجوب الإطعام: "وأما أقوال الصحابة فإن في حجيتها نظراً إذا خالفت ظاهر القرآن، وهنا إيجاب الإطعام مخالف لظاهر القرآن، لأن الله تعالى لم يوجب إلا عدة من أيام أخر، ولم يوجب أكثر من ذلك، وعليه فلا نلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به إلا بدليل تبرأ به الذمة، على أن ما روي عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم يمكن أن يحمل على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب، فالصحيح في هذه المسألة أنه لا يلزمه أكثر من الصيام إلا أنه يأثم بالتأخير".[16]

وعلى هذا فالواجب هو القضاء فقط، وإذا احتاط الإنسان وأطعم عن كل يوم مسكيناً كان ذلك حسناً.

والأفضل - عند من يرى وجوب الفدية للتأخير ، أو يراها احتياطاً- : أن يكون دفعها له قبل القضاء؛ مسارعة إلى الخير؛ وتخلصا من آفات التأخير، كالنسيان .
قال المرداوي الحنبلي-رحمه الله-:"يُطعم ما يجزئ كفارة، ويجوز الإطعام قبل القضاء، ومعه، وبعده، قال المجد – أي: ابن تيمية جد شيخ الإسلام – رحمه الله: الأفضل تقديمه عندنا؛ مسارعةً إلى الخير؛ وتخلصاً من آفات التأخير" انتهى.[17]

وجواز دفع الفدية قبل البدء في القضاء، لأن الفدية متعلقة بتأخير القضاء، وليست متعلقة بالبدء في القضاء.[18]

4- قضاء الصوم الواجب في أيام التشريق لا يصح، وأيام التشريق هي الأيام الثلاثة التالية ليوم عيد الأضحى، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة، وهذه الأيام يحرم صومها.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب) [19]، وقوله: (إن يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب).[20]

ولم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في صوم هذه الأيام إلا للمتمتع أو القارن الذي لم يجد الهدي، فقد روى البخاري (1998) عن عائشة وعن ابن عمر رضي الله عنهم قالا: لم يُرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي.

وجمهور العلماء يمنعون صيام هذه الأيام تطوعا أو قضاء أو نذرا، ويرون بطلان الصوم لو وقع في هذه الأيام .[21]

قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "وكذلك يوم عيد النحر وأيام التشريق كلها لا تصام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك إلا أن أيام التشريق قد جاء ما يدل على جواز صومها عن هدي التمتع والقران خاصة لمن لم يستطع الهدي... أما كونها تصام تطوعا أو لأسباب أخرى فلا يجوز كيوم العيد"[22].

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- : "فيجوز للقارن والمتمتع إذا لم يجدا الهدي أن يصوما هذه الأيام الثلاثة حتى لا يفوت موسم الحج قبل صيامهما. وما سوى ذلك فإنه لا يجوز صومها، حتى ولو كان على الإنسان صيام شهرين متتابعين فإنه يفطر يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده ثم يواصل صومه". [23]


رابعًا: نية قضاء الصيام.

1- صيام القضاء لا بد فيه من تبييت النية من الليل؛ لأن القضاء له حكم الأداء، وعليه: فلا يصح تغيير نية صيام التطوع الذي فُرغ منه ليصبح قضاء عن أيام رمضان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلا صِيَامَ لَهُ).[24]

وقال الترمذي عقبه -رحمه الله-: "وإنما معنى هذا عند أهل العلم لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر في رمضان، أو في قضاء رمضان، أو في صيام نذر؛ إذا لم ينوه من الليل لم يجزه، وأما صيام التطوع فمباح له أن ينويه بعد ما أصبح، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" انتهى.

2- لا تجزئ نية التتابع في صوم القضاء عند عامة العلماء، وتلزم النية لكل يوم ولو كانت أيام القضاء متتابعة.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه تجب النية لكل يوم، ولا تجزئ النية أول شهر رمضان، أو أول الصوم المتتابع لجميع الأيام .
وذهب المالكية إلى أن نية واحدة تكفي في الصوم الواجب تتابعه كرمضان، أما الصوم الذي لا يجب فيه التتابع كالقضاء فلا بد من نية مستقلة لكل يوم .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (40/275" :(ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن نسيان النية في بعض الليالي في الصوم الواجب تتابعه: يقطع التتابع، كتركها عمدا، ولا يجعل النسيان عذرا في ترك المأمورات .
وذهب المالكية إلى أنه تكفي نية واحدة لكل صوم يجب تتابعه، كرمضان، والكفارات التي يجب تتابع الصوم فيها" انتهى.
وجاء في "الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية": "وتكفي النِّيَّة الْوَاحِدَة لكل صَوْم يجب تتابعه كرمضان وكفارته، وَكَفَّارَة الْقَتْل، وَالظِّهَار، وَالنّذر المتتابع، كمن نذر صَوْم شهر بِعَيْنِه... وَلَا بُد من تبييت النِّيَّة كل لَيْلَة فِي كل صَوْم يجوز تفريقه كقضاء رَمَضَان، وَالصِّيَام فِي السّفر، وَكَفَّارَة الْيَمين، وفدية الْأَذَى، وَنقص الْحَج" انتهى.[25]
وقد سئل شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله عن هذا السؤال فأجاب: "يلزم النية لكل يوم، وصوم القضاء ليس كصوم رمضان عند من يرخص بالنية الواحدة؛ لأن رمضان متتابع بأصل الشرع" انتهى .[26]

3- من نوى قضاء رمضان وأوقعه في يوم عاشوراء أو عرفة أو غيرهما من الأيام التي يستحب صومها، فإنه يجزئه قضاء اليوم الذي صامه، ويُرجى أن ينال ثواب صيام الأيام المستحبة.

قال الرملي -رحمه الله-: "ولو صام في شوال قضاءً أو نذرا أو غيرهما أو في نحو يوم عاشوراء حصل له ثواب تطوعها، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى تبعا للبارزي والأصفوني والناشري والفقيه علي بن صالح الحضرمي وغيرهم..".[27]

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في "فتاوى الصيام" (438): "من صام يوم عرفة، أو يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان فصيامه صحيح، لكن لو نوى أن يصوم هذا اليوم عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة، وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء.." انتهى.

وفي فتاوى اللجنة الدائمة: "يجوز صيام يوم عرفة عن يوم من رمضان إذا نويته قضاء" انتهى.[28]

أما من نوى صيام المستحب فقط؛ فإن ذلك لا يجزئه عن صيام الواجب، فمن صام بنية عاشوراء -مثلا- لم يجزئه عن قضاء رمضان.

4- لا يجوز جمع قضاء رمضان مع ما هو مقصود بالصيام لذاته كصيام الكفارات والنذور في نية واحدة.

5- لا يصح صيام الست من شوال بنية القضاء، لأن هذه الست لا تكون إلا بعد إتمام رمضان.[29]

قال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-: "من صام يوم عرفة، أو يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان فصيامه صحيح، لكن لو نوى أن يصوم هذا اليوم عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة، وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء، هذا بالنسبة لصوم التطوع المطلق الذي لا يرتبط برمضان، أما صيام ستة أيام من شوال فإنها مرتبطة برمضان ولا تكون إلا بعد قضائه، فلو صامها قبل القضاء لم يحصل على أجرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر) ومعلوم أن من عليه قضاء فإنه لا يعد صائماً رمضان حتى يكمل القضاء ".[30]


خامسًا: من مات وعليه قضاء.

1- من ترك الصيام لعذر من سفر أو مرض يرجى برؤه ولم يتمكن من القضاء حتى مات بسبب استمرار المرض، فلا شيء عليه، لا صيام ولا إطعام، ولا يلزم ورثته أن يصوموا عنه ولا أن يطعموا.

قال في "عون المعبود" (7/26): "واتفق أهل العلم على أنه إذا أفطر في المرض والسفر، ثم لم يفرط في القضاء حتى مات فإنه لا شيء عليه، ولا يجب الإطعام عنه، غير قتادة فإنه قال: يطعم عنه. وحُكي ذلك أيضا عن طاووس" انتهى.[31]

2- من تمكن من القضاء ولكنه لم يفعل، فيستحب لورثته أن يصوموا عنه عدد الأيام التي أفطرها، فإن لم يفعلوا أطعموا عن كل يوم مسكينا وجوبا.

لما ثبت عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ).[32]

قال في "المغني" (3/241): " وجملة ذلك أن من مات وعليه صيام من رمضان لم يَخلُ من حالين:

أحدهما: أن يموت قبل إمكان الصيام، إما لضيق الوقت، أو لعذر من مرض، أو سفر، أو عجز عن الصوم: فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن طاووس وقتادة أنهما قالا: يجب الإطعام عنه، ثم ذكر علة ذلك وأبطلها.

ثم قال (ص 341): الحال الثاني: أن يموت بعد إمكان القضاء، فالواجب أن يُطعَمَ عنه لكل يوم مسكين، وهذا قول أكثر أهل العلم، رُوي ذلك عن عائشة وابن عباس...

ثم قال: وقال أبو ثور-رحمه الله-: يصام عنه، وهو قول الشافعي، ثم استدل له بحديث عائشة الذي ذكرناه أولاً. انتهى.[33]

وهذا القضاء يجوز أن يشترك فيه جميع الورثة، وما شق عليهم صومه، أطعموا عنه، عن كل يوم مسكينا .
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "يستحب لوليه أن يقضيه فإن لم يفعل، قلنا : أطعم عن كل يوم مسكينا قياسا على صوم الفريضة".

 وقال: "فلو قدر أن الرجل له خمسة عشر ابنا، وأراد كل واحد منهم أن يصوم يومين عن ثلاثين يوما فيجزئ. ولو كانوا ثلاثين وارثا وصاموا كلهم يوما واحدا، فيجزئ لأنهم صاموا ثلاثين يوما، ولا فرق بين أن يصوموها في يوم واحد أو إذا صام واحد صام الثاني اليوم الذي بعده، حتى يتموا ثلاثين يوما. أما في كفارة الظهار ونحوها فلا يمكن أن يقتسم الورثة الصوم لاشتراط التتابع، ولأن كل واحد منهم لم يصم شهرين متتابعين. وقد يقول قائل: يمكن بأن يصوم واحد ثلاثة أيام، وإذا أفطر صام الثاني ثلاثة أيام وهلم جرا حتى تتم؟ فيجاب بأنه لا يصدق على واحد منهم أنه صام شهرين متتابعين، وعليه فنقول: إذا وجب على الميت صيام شهرين متتابعين، فإما أن ينتدب له واحد من الورثة ويصومها، وإما أن يطعموا عن كل يوم مسكينا" انتهى .[34]

وإن لم تجدوا من يصوم عن الميت إلا بأجرة فلا حرج، قال في "مغني المحتاج" (2/173): "لو صام أجنبي بإذن الولي أي القريب، أو بإذن الميت بأن أوصى به، سواء أكان بأجرة أم لا، صح قياسا على الحج" انتهى بتصرف .[35]

وليس للولي أن يصوم عن المريض الذي لا يرجى برؤه في حياته بل واجبه الإطعام؛ لأن الأصل في العبادات البدنية أن يُؤدّيها المسلم عن نفسه، ولا تدخلها النيابة ، فلا يجوز لأحدٍ أن يصلي عن أحدٍ ولا أن يصوم عنه بإجماع العلماء، وإنما تدخل النيابة في الحج والعمرة لمن يعجز عنه في حياته كما جاء في النصوص الصحيحة الصريحة .[36]


سادسًا: إذا بلغ الصبي وأفاق المجنون وأسلم الكافر في نهار رمضان، فهل عليهم قضاء؟

اختلف العلماء في حكم الصبي إذا بلغ في نهار رمضان وكذلك المجنون إذا أفاق، والكافر إذا أسلم، والراجح هو أن عليهم الإمساك وليس عليهم القضاء.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: إذا أسلم الكافر في نهار رمضان فهل يلزمه إمساك باقي اليوم الذي أسلم فيه؟

فأجاب: "نعم، يلزمه أن يمسك بقية اليوم الذي أسلم فيه؛ لأنه صار الآن من أهل الوجوب فلزمه. وهذا بخلاف ارتفاع المانع فإنه إذا ارتفع المانع لم يلزم إمساك بقية اليوم، مثل: أن تطهر المرأة من حيضها في أثناء النهار، فإنه لا يلزمها أن تمسك بقية النهار، وكذلك لو برأ المريض المفطر من مرضه في أثناء النهار فإنه لا يلزمه الإمساك؛ لأن هذا اليوم قد أبيح له فطره مع كونه من أهل الالتزام – أي مسلماً – بخلاف الذي طرأ إسلامه في أثناء النهار، فإنه يلزمه الإمساك، ولا يلزمه القضاء، أما أولئك أعني: الحائض والمريض فإنه لا يلزمهم الإمساك، لكن يلزمهم القضاء".[37]


سابعًا: قطع القضاء.

1- من شرع في صوم واجب كقضاء رمضان فلا يجوز له الإفطار من غير عذر، فإن أفطر - بعذر أو بغير عذر- وجب عليه قضاء هذا اليوم فيصوم يومًا مكانه.

قال ابن قدامة-رحمه الله-: "وَمِنْ دَخَلَ فِي وَاجِبٍ، كَقَضَاءِ رَمَضَان، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ صِيَامِ كَفَّارَةٍ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلافٌ بِحَمْدِ اللَّهِ".[38]

2- من جامع في صوم قضاء رمضان؛ فلا كفارة عليه، وإنما عليه القضاء.

قال النووي-رحمه الله-: "لَوْ جَامَعَ فِي صَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلا كَفَّارَةَ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ قَضَاءِ رَمَضَانَ".[39]


ثامنا: هل يشترط للمرأة أن تستأذن زوجها في صوم القضاء؟

لا يشترط للمرأة إذن الزوج في صيام القضاء؛ لأنه واجب، وأما صيام النفل فلا تصوم المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه.[40]

قالت اللجنة الدائمة: "يجب على المرأة قضاء ما أفطرته من أيام رمضان ولو بدون علم زوجها، ولا يشترط للصيام الواجب على المرأة إذن الزوج فصيام المذكورة صحيح. وأما الصيام غير الواجب فلا تصوم المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصوم المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه غير رمضان".[41]

على أن من حسن عشرة المرأة: الاشتغال بأمر زوجها ومراعاة حاله حيث كان في الوقت سعة،
 عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: (كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه البخاري (1950) ومسلم (1146).[42]


تاسعا: قضاء من أفطر بسبب سفره من بلد إلى بلد آخر مع اختلاف مطالع البلدين:

إذا سافر الرجل من بلد إلى بلد اختلف مطلع الهلال فيهما، فالقاعدة أن يكون صيامه وإفطاره حسب البلد الذي هو فيه حين ثبوت الشهر، لكن إن نقصت أيام صيامه عن تسعة وعشرين يوماً، وجب عليه إكمال تسعة وعشرين يوماً لأن الشهر الهلالي لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، وهذه القاعدة مأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا) وقوله: (إنما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه). ومن حديث كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية في الشام، وفيه أن كريباً أخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن الناس رأوا هلال رمضان ليلة الجمعة في الشام، فقال ابن عباس: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقال كريب: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإليك أمثلة تبين هذه القاعدة:

المثال الأول: انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم السبت، وأفطروا يوم الأحد عن تسعة وعشرين يوماً، فيفطر معهم ويلزمه قضاء يوم.

المثال الثاني: انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم الاثنين، وأفطروا يوم الأربعاء عن ثلاثين يوماً، فيبقى صائماً معهم ولو زاد على ثلاثين يوماً لأنه في مكان لم ير الهلال فيه، فلا يحل له الفطر، ويشبه هذا ما لو سافر صائماً من بلد تغيب فيه الشمس الساعة السادسة إلى بلد لا تغيب فيه إلا الساعة السابعة، فإنه لا يفطر حتى تغيب الشمس في الساعة السابعة لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة/187]

المثال الثالث: انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد إلى بلد صام أهله يوم الاثنين، وأفطروا يوم الثلاثاء عن تسعة وعشرين يوماً، فيفطر معهم ويكون صومهم تسعة وعشرين يوماً، وصومه ثلاثين يوماً.

المثال الرابع: انتقل من بلد صام أهله يوم الأحد، وأفطروا يوم الثلاثاء عن ثلاثين يوماً إلى بلد صام أهله يوم الأحد، وأفطروا يوم الاثنين عن تسعة وعشرين يوماً، فيفطر معهم، ولا يلزمه قضاء يوم؛ لأنه أتم تسعة وعشرين يوماً.

دليل وجوب فطره في المثال الأول أنه رؤي الهلال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فأفطروا) ودليل وجوب قضاء اليوم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الشهر تسع وعشرون)، فلا يمكن أن ينقص عن تسع وعشرين ليلة.

ودليل وجوب بقائه صائماً فوق الثلاثين في المثال الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فأفطروا) فعلق الفطر بالرؤية، ولم تكن فيكون ذلك اليوم من رمضان في ذلك المكان فلا يحل فطره.

وأما حكم المثال الثالث والرابع فواضح".[43]


عاشرا: كفارة من أفطر بجماع في نهار رمضان

ينبغي أن يعلم أن الجماع في نهار رمضان للصائم المقيم ذنب عظيم، الواجب التوبة منه بكثرة الاستغفار والندم والإقرار بالذنب والتحسر على فعله، مع كثرة الطاعات، والعزم على عدم المعاودة إلى ذلك، ثم إنه يترتب عليه خمسة أشياء:

1- الإثم. 2- فساد الصوم. 3- لزوم الإمساك. 4- وجوب قضاء اليوم الذي أفطره. 5 – وجوب الكفارة.

كفارة الجماع في نهار رمضان كفارة مغلّظة واحدة من خصال ثلاث، على الترتيب، وليست على التخيير؛ بمعنى أنه لا يجوز أن ينتقل إلى واحدة حتى يعجز عن التي قبلها، وهي: عتق رقبة؛ فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع: فإطعام ستين مسكينا؛ فلا يجوز له أن يصوم شهرين إذا وجد رقبة يعتقها، ولا يجوز له أن يطعم ستين مسكينا إلا إذا عجز عن الأوليين: العتق والصيام.

روى البخاري (1936)، ومسلم (1111) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لا.. الحديث.

قال علماء اللجنة:

"كفارة الجماع في نهار رمضان مرتبة على ما سبق، فلا ينتقل إلى الصيام مثلا إلا بعد أن يعجز عن الرقبة، ولا ينتقل إلى الإطعام إلا بعد أن يعجز عن الصيام، فإن انتقل إلى الإطعام بسبب عجزه عن الرقبة والصيام- جاز له أن يفطر ستين صائما من الفقراء والمساكين بما يشبعهم من قوت البلد مرة عنه ومرة ثانية عن زوجته، أو يدفع إلى الستين من المساكين ستين صاعا عنه وعن زوجته، لكل واحد صاع مقداره ثلاثة كيلو تقريبا" انتهى. [44]

ولا فرق بين أن يُنزل أو لا يُنزل، ما دام الجماع قد حصل.

 بخلاف ما لو حدث إنزال بدون جماع فليس فيه كفارة، وإنما فيه الإثم ولزوم الإمساك والقضاء.

والكفارة في الجماع على الرجل والمرأة على السواء.

فإذا عجز الرجل أو المرأة عن الكفارة، فإنها تسقط عنه؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن/ 16]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر الرجل بالكفارة، وأخبره أنه لا يستطيع، لم يذكر له بقاءها في ذمته، ولأن الواجب يسقط بالعجز . [45]

ومن جامعها زوجها في نهار رمضان فلا تخلو من حالين:

الحال الأولى: أن تكون المرأة حال الجماع معذورة بإكراه، أو نسيان، أو جهل بتحريم الجماع في نهار رمضان، ففي هذه الحال صومها صحيح، ولا يلزمها القضاء ولا الكفارة. وهي رواية عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام، واختارها من المعاصرين: الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهم الله؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة/286].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ) متفق عليه. قالوا: والجماع وسائر المفطرات تقاس على الأكل والشرب.

الحال الثانية: أن تكون المرأة غير معذورة، بل مطاوعة لزوجها في الجماع، ففي وجوب الكفارة عليها خلاف بين العلماء، والراجح وجوب الكفارة عليها كما تجب على الرجل.[46]


أحد عشر: مسائل متفرقة متعلقة بالقضاء:

1- يجوز قضاء الأيام الطويلة في الأيام القصيرة، قالت اللجنة الدائمة: "يجب على من أفطر أيامًا من رمضان أن يقضيها قبل رمضان الآخر سواء في أيام الشتاء أو غيرها من الأيام، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة/185].

وثبت عن عائشة رضي الله عنها: (يكون عليها القضاء فما تقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) .[47]

2- يجوز ابتداء القضاء من اليوم الثاني من شوال، وما اشتهر عند الناس من أن عيد الفطر ثلاثة أيام، فهذا مجرد عرف اشتهر بين الناس لا يترتب عليه حكم شرعي.

قال البخاري -رحمه الله-: بَاب صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ، ثم روى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَالنَّحْرِ .[48]

فعلى هذا فيوم الفطر يوم واحد فقط، وهو الذي يحرم صومه، أما اليوم الثاني أو الثالث من شوال فلا يحرم صومهما، فيجوز صومهما عن قضاء رمضان أو تطوعًا.

3- اتفق الأئمة على أن الواجب في قضاء رمضان أن يصوم أياماً بعدد الأيام التي أفطرها ، لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة/185].

ولا يشترط في هذه الأيام أن تكون متتابعة، فله أن يصومها متتابعة، وله أن يصومها  متفرقة، سواء صمت كل أسبوع يوماً أو كل شهر يوماً أو حسب ما يتيسر، والدليل على ذلك الآية السابقة، فإنها لم تشترط التتابع في قضاء رمضان، وإنما أوجبت فقط أن يكون بعدد الأيام التي أفطرها .[49]

وسئلت اللجنة الدائمة هل يجوز أن يصوم قضاء رمضان في أيام متفرقات؟

فأجابت: "نعم، يجوز له أن يقضي ما عليه من أيام متفرقات، لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة/185]. فلم يشترط سبحانه التتابع في القضاء" انتهى.[50]

وفي فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله: "إذا أفطر يومين أو ثلاث أو أكثر وجب عليه القضاء ولا يلزمه التتابع ، إن تابع فهو أفضل ، وإن لم يتابع فلا حرج عليه".[51]

4- حكم تقديم صوم النافلة على قضاء رمضان.

اختلف العلماء في هذه المسألة:

فذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يصح التطوع قبل القضاء، وأن فاعله يأثم.

وعللوا: أن النافلة لا تؤدى قبل الفريضة؛ إذ البدء بالفرض آكد من النفل.

وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك ما لم يضق الوقت، وقالوا: ما دام الوقت موسّعاً فإنه يجوز أن يتنفّل، كما لو تنفّل قبل أن يصلي، فمثلاً الظهر يدخل وقتها من الزوال وينتهي إذا صار ظل كلّ شيء مثله، فله أن يؤخّرها إلى آخر الوقت، وفي هذه المدّة يجوز له أن يتنفّل، لأن الوقت موسّع".

وهذا القول هو قول جمهور الفقهاء، واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وقال: "وهذا القول أظهر، وأقرب إلى الصواب، وأن صومه صحيح، ولا يأثم، لأن القياس فيه ظاهر… والله تعالى يقول: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة/185]، يعني فعليه عدّة من أيام أخر، ولم يقيّدها الله تعالى بالتتابع، ولو قيّدت بالتتابع للزم من ذلك الفورية، فدل هذا على أن الأمر فيه سعة" .[52]

ويجزئه القضاء في يوم عرفة أو عاشوراء ويحصل له الأجران  قال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-: "من صام يوم عرفة، أو يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان فصيامه صحيح، لكن لو نوى أن يصوم هذا اليوم عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة، وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء".[53]

ولكن هذا في النفل المطلق الذي لا يتعلق برمضان أما المتعلق برمضان كصيام الست من شوال فلا فيه من قضاء رمضان أولا، قال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-: " هذا بالنسبة لصوم التطوع المطلق الذي لا يرتبط برمضان، أما صيام ستة أيام من شوال فإنها مرتبطة برمضان ولا تكون إلا بعد قضائه، فلو صامها قبل القضاء لم يحصل على أجرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر) ومعلوم أن من عليه قضاء فإنه لا يعد صائماً رمضان حتى يكمل القضاء ".[54]

5- يجوز الصيام قبل رمضان بيوم أو يومين لأجل القضاء.

قال النووي -رحمه الله-: "قَالَ أَصْحَابُنَا: لا يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ رَمَضَانَ بِلا خِلافٍ...فَإِنْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَجْزَأَهُ، لأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَصُومَ فِيهِ تَطَوُّعًا لَهُ سَبَبٌ فَالْفَرْضُ أَوْلَى...وَلأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ؛ لأَنَّ وَقْتَ قَضَائِهِ قَدْ ضَاقَ" .[55]

6- من لم يصم شهر رمضان كله، لعذرٍ من سفرٍ أو مرضٍ أو نفاسٍ، فإنه يقضيه بعدد أيامه، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة/184]، فإن كان رمضان تاما قضى ثلاثين يوما، وإن كان تسعة وعشرين يوما قضاه كذلك، ولا يمكن أن يكون الشهر الهلالي ثمانية وعشرين يوما.

وذهب بعض العلماء إلى أنه يلزمه أن يصوم ثلاثين يوماً، أو يصوم شهراً هلالياً.

قال المرداوي الحنبلي-رحمه الله-: "من فاته رمضان كاملا، سواء كان تاما أو ناقصا، لعذر كالأسير ونحوه: قضى عدد أيامه مطلقا، كأعداد الصلوات، على الصحيح من المذهب.

وعند القاضي-رحمه الله-: إن قضى شهرا هلاليا أجزأه. سواء كان تاما أو ناقصا، وإن لم يقض شهرًا صام ثلاثين يومًا.

فعلى القول الأول: من صام من أول شهرٍ كاملٍ، أو من أثناء شهرٍ، تسعةً وعشرين يوما. وكان رمضان الفائت ناقصا: أجزأه عنه، اعتبارا بعدد الأيام، وعلى القول الثاني: يقضي يوما تكميلا للشهر بالهلال، أو العدد ثلاثين يوما" انتهى مختصرا.[56]

وقال عليش المالكي- رحمه الله-: "فمن أفطر رمضان كله وكان ثلاثين، وقضاه في شهر بالهلال وكان تسعة وعشرين: صام يوما آخر، وبالعكس فلا يلزمه صوم اليوم الأخير؛ لقوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} هذا هو المشهور. وقال ابن وهب: إن صام بالهلال كفاه ما صامه ولو كان تسعة وعشرين ورمضان ثلاثين ".[57]

المراجع

  1. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (23296).
  2. ^ رواه مسلم (335).
  3. ^ انظر: "المغني" (3/37)، "المجموع "(6/273).
  4. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (49794).
  5. ^ "الاستذكار"(1/77). 
  6. ^ "المغني" (4/365) .
  7. ^ "فتاوى نور على الدرب" (16/201)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (234125).
  8. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم:  (293076)، (106476). 
  9. ^ "المغني" ( 4 / 396 )، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم : (189448).
  10. ^ "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/126)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (84203).
  11. ^ رواه البخاري (1950) ومسلم (1146).
  12. ^ "فتح الباري" (4/191)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم (26865).
  13. ^ "مجموع فتاوى ابن باز" (15/341).
  14. ^ ينظر: "المجموع" (6/366)، "المغني" (4/400).
  15. ^ "صحيح البخاري" (3/35).
  16. ^ "الشرح الممتع" (6/451)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (95736).
  17. ^ "الإنصاف" (3/333).
  18. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (95736).
  19. ^ رواه مسلم (1141) من حديث نُبَيْشة الهذلي.
  20. ^ رواه النسائي (3004)، والترمذي (773)، وأبو داود (2419) من حديث عقبة بن عامر، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
  21. ^ ينظر : موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم : (21049).
  22. ^ "فتاوى رمضان"، جمع أشرف عبد المقصود ص 716.
  23. ^ "فتاوى رمضان" ص 727، وينظر : موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم (21049).
  24. ^ رواه الترمذي (730) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي". وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (192428).
  25. ^ ينظر : موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (250286).
  26. ^ ينظر : موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (250286).
  27. ^ "نهاية المحتاج" (3/208)،"مغني المحتاج" (2/184)، "حواشي تحفة المحتاج" (3/457). 
  28. ^ "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/346، 347). 
  29. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (39328). 
  30. ^ "فتاوى الصيام" (438) 
  31. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (81030).
  32. ^ رواه البخاري (1952)، ومسلم (1147)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (174581).
  33. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (81030).
  34. ^ "الشرح الممتع" (6/ 450-452)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (174581)،(99457).
  35. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (99457). 
  36. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (65928).
  37. ^ "الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/7)، ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (112150)، (65635).
  38. ^ "المغني" (4/412).
  39. ^ "المجموع" (6/383)، وينظر موقع الإسلام سؤال وجواب، جوابي السؤالين: (49985)، (49000). 
  40. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (106484).
  41. ^ "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/353) . 
  42. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (50732). 
  43. ^ "مجموع فتاوى ابن عثيمين"، (19/69).
  44. ^ "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/ 245). 
  45. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (106533)، (93109).
  46. ^ ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (106532).
  47. ^ "فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/278)، وينظر : موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (132421).
  48. ^ "صحيح البخاري" (1992).
  49. ^ انظر: "المجموع" (6/167)، و"المغني" (4/408).
  50. ^ انظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/346) . 
  51. ^ "فتاوى الشيخ ابن باز" (15/352)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (21697). 
  52. ^ "الشرح الممتع" (6/448)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (23429).
  53. ^ "فتاوى الصيام" (438).
  54. ^ "فتاوى الصيام" (438).
  55. ^ "المجموع" (6/399)، وينظر : موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (49884).
  56. ^ ينظر: "الإنصاف" (3/333).
  57. ^ "منح الجليل" (2/152)، وينظر: "الموسوعة الفقهية" (28/75)، وينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب، جواب السؤال رقم: (81093).