الأحد 19 شوّال 1445 - 28 ابريل 2024
العربية

ما حكم تعريف يد الله بأنها صفة يكون بها القبض والبسط والطي والأخذ؟

491645

تاريخ النشر : 24-03-2024

المشاهدات : 500

السؤال

يقول الله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، أي: ينفي أولًا التمثيل والتشبيه كله، ثم يبين أنه هو السميع والبصير، مع أن للخلق أيضًا هذه الصفات، يعني: كل تشبيه بين صفات الله وصفات المخلوقين منفي، إلا التشابه الوظيفي لها، ومن هنا يأتي السؤال: هل يجوز التعريف التالي لصفات الله: فمثلاً يد الله هي اليد التي يستطيع بها أن يخلق، ويرزق، ويقدر على أفعال أخرى تشبه في وظيفتها وظائف أيدي مخلوقاته، أو وظائف أيدي المخلوقات تشبه وظائف يد الله سبحانه، ولكنها تختلف في الكيفيات والصور المادية؟ وهذا يمكن أن يفسر أيضًا سبب تسمية اليد يدًا، وليس ساقًا، أو أي شيء آخر، يعني هل يمكن إعطاء مثل هذا التعريف لليد وغيرها من صفات الله أم لا؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الواجب إثبات ما أثبت الله تعالى لنفسه من الأسماء والصفات، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، دون تشبيه أو تمثيل، ودون تأويل أو تعطيل.

وقد سمى الله تعالى نفسه بأسماء، وسمى بعض مخلوقاته بها، كالعليم والحليم والرؤوف والرحيم، ووصف نفسه بصفات وصف بها بعض خلقه، كالرأفة والرحمة، والوجه، واليد.

وذلك كله على سبيل الاشتراك في اللفظ، والمعنى الذهني الكلي، فتطلق الصفة على الله بمعنى يخصه تعالى ويليق بجلاله سبحانه، وتطلق على المخلوق بمعنى يخصه ويليق به.

ومن ذلك : أن الله تعالى سمى نفسه الحليم والكريم والرؤوف والرحيم والحكيم والسميع والبصير، وهذا يتضمن وصفه سبحانه بالحِلم والكرم والرأفة والرحمة والحكمة والسمع والبصر.

ووصف الله بعض عباده بذلك ، فقال في وصف إبراهيم عليه السلام: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ هود/75 ، وقال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌالتوبة/128، وقال عن موسى عليه السلام: وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ الدخان/17 ، وقال عن داود عليه السلام: وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ص/20 ، ووصف الإنسان بأنه سميع بصير، فقال:  إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا   الإنسان/2

وليس الحِلم كالحِلم، ولا الرحمة كالرحمة، ولا الحكمة كالحكمة، الخ، فلكل موصوف ما يخصه من الصفات، فكما أن ذات الله ليست كذوات المخلوقين، فكذلك صفاتُه ليست كصفات المخلوقين.

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/163): "إن كثيرا من الأسماء مشتركة بين الله تعالى وبين غيره من مخلوقاته في اللفظ، والمعنى الكلي الذهني؛ فتطلق على الله بمعنىً يخصُّه تعالى، ويليق بجلاله سبحانه، وتطلق على المخلوق بمعنى يخصُّه ويليق به، فيقال مثلا : الله حليم ، وإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حليم ، وليس حِلم إبراهيم كحلم الله ، والله رؤوف رحيم ، ومحمد صلى الله عليه وسلم رؤوف رحيم ، وليس رأفة محمد صلى الله عليه وسلم ورحمته كرأفة الله بخلقه ورحمته ، والله تعالى جليل كريم، ذو الجلال والإكرام على وجه الإطلاق ، وكل نبي كريم جليل ، وليست جلالة كل نبي وكرمه، كجلالة غيره من الأنبياء وكرمه ولا مثل جلال الله وكرمه، بل لكل من الجلالة والكرم ما يخصه ، والله تعالى حي، وكثير من مخلوقاته حي ، وليست حياتهم كحياة الله تعالى ، والله سبحانه مولى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وجبريل وصالح المؤمنين ، وليس ما لجبريل وصالح المؤمنين من ذلك، مثلُ ما لله من الولاية والنصر لرسوله صلى الله عليه وسلم...

إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة المذكورة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الثابتة عنه، ولا يلزم من ذلك تشبيه المخلوق بالخالق في الاسم أو الصفة.

وأسلوب الكلام، وما احتف به من القرائن: يدل على الفرق بين ما لله من الكمال في أسمائه وصفاته، وما للمخلوقات مما يخصهم من ذلك على وجه محدود يليق بهم " انتهى.

وينظر جواب السؤال رقم: (151794).

ثانيا:

أهل السنة يثبتون معاني الصفات، ويفوضون كيفيتها، ولهذا فسروا الاستواء بالعلو، وفسروا الأسف بالغضب، وسمَّوُا التحنن بالرحمة، وفسَّروا التجلي بالظهور، وتركوا تفسير ما لا يحتاج إلى تفسير، كالوجه واليد والقدم، واكتفوا ببيان أنها صفات لا تشبه صفات المخلوقين، وأن التشبيه أن يقال: يد كيد، أو وجه كوجه.

قال الإمام الترمذي رحمه الله عقب حديث (إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه ... ) من سننه (رقم 662):

" وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث، وما يشبه هذا من الروايات؛ من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد ثَبَتَتِ الرواياتُ في هذا، ويؤمَن بها، ولا يُتوهم، ولا يقال: كيف؟

هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة.

وأما الجهمية: فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه.

وقد ذكر الله عز وجل في غير موضعٍ من كتابه: اليدَ، والسمعَ، والبصرَ؛ فتأولت الجهمية هذه الآيات، ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ها هنا القوة.

وقال إسحاق بن إبراهيم: إنما يكون التشبيه إذا قال: يدٌ كَيدٍ، أو: مثلُ يدٍ، أو سمعٌ كسمعٍ، أو مثلُ سمعٍ، فإذا قال: سمعٌ كسمعٍ أو مثلُ سمع؛ فهذا التشبيه. وأما إذا قال، كما قال الله تعالى: يدٌ وسمع وبصر، ولا يقول: كيف، ولا يقول: مثلُ سمع، ولا كسمع؛ فهذا لا يكون تشبيها، وهو كما قال الله تعالى في كتابه: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " انتهى.

ولا حرج لو قيل في تعريف اليد: إنها صفة يكون بها القبض والبسط والأخذ والإعطاء، وخلقُ أشياء مخصوصة كآدم وجنة عدن، وبها يكون قبض السموات والأرض، وغير ذلك مما ورد.

وهذا ما سميتَه "التعريف الوظيفي"، وإن كان تجنب هذا اللفظ أليق بالتعظيم؛ فإنا لم نجد إطلاق ذلك في كلام أهل العلم، وهذا مقام ضيق، ينبغي الاقتصار فيه على المأثور؛ لا سيما والحاجة لا تدعو إلى ما ذكرت.

وهذا هو المعنى أو القدر المشترك الكلي لليد، أن بها يكون الأخذ والقبض والبسط ونحو ذلك، ولا شك أن اليد ليست كالقدم، وهذا معلوم لكل أحد، وقد ميز الله بينهما، وأخبر أنه خلق آدم بيده، وأن له يدين مبسوطتين، وأنه يطوي السماء بيمينه، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أن له أصابع، وأن الأصابع في اليدين، كما روى مسلم (2788) عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَأْخُذُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ، فَيَقُولُ: أَنَا اللهُ - وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا - أَنَا الْمَلِكُ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

غير أننا نعود لنؤكد على نوع خلل في كلامك عما أسميته "التشابه الوظيفي"؛ وهو أنه لا يجوز إطلاق كل ما هو معهود من "وظائف" صفات الخلق، على "صفات الله" جل جلاله.

فالإنسان، مثلا: يأكل بيده؛ ولا يقال مثل ذلك في "يد الله" جل جلاله، فهو سبحانه، يطعم خلقه، ولا يطعم؛ وهو أحد صمد، منزه عن الحاجة إلى ما يحتاجه الخلق من طعام، وشراب.

بل إن الله جل جلاله: خلق آدم بيده، لكن لا يجوز تعميم ذلك على باقي خلقه، فيقال: يد الله، هي التي بها يخلق الناس، أو يخلق الخلائق؛ بل هذا غلط مخالف للمأثور الثابت، الذي أجمع عليه أهل السنة، وهو أن الله لم يخلق بشرا، ولا خلقا بيده، سوى آدم عليه السلام، وغرسة جنة عدن بيده، ولا يقال لما يخلقه الله من الزرع والنبات: إن ذلك بيده. وكتب التوراة لموسى بيده، ولا يقال ذلك فيما كتبه من المقادير لخلقه، بل ولا يقال ذلك في القرآن الكريم!!

وعلى ذلك؛ فالواجب الاقتصار على ما ثبت به الخبر من ذلك متعلق هذه الصفات؛ فلا يزاد فيه ذكر متعلق لم يرد به النص. وما ورد به النص، فالواجب الوقوف فيه على ما ورد، من غير زيادة ولا نقصان، ولا طغيان في القلم، ولا زيغ في الفكر، ولا ظن، ولا توهم؛ فالله جل جلاله أجل من أن يحيط الخلائق به علما. سبحانه وتعالى، وجل جلاله.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (172588).

ومن الغلط الظاهر في كلامك، الذي ينبو عنه ذوق الموحد، وتأباه فطرة المؤمن، أن يقال: " هي اليد التي يستطيع بها أن يخلق "؛ فسبحان الله رب العالمين، وجل وعلا؛ هذا تزيد في القول ، وغلط ظاهر، عفا الله عنا وعنك ؛ فبأي حجة يتحكم الخلائق على "قدرة" الله جل جلاله، أو يتوهم المخلوق: أن بذلك "يستطيع" الله ... تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؛ بل القدرة التامة، سبحانه، وإن شاء خلق بيده، وإن شاء خلق الخلائق كلهم بأمره، سبحانه: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يس/82-83

وهذا كله مما يدل العبد الناصح لنفسه، على وجوب الاقتصار في هذا الباب على ما ورد به الأثر، وتكلم به السلف الصالح من أهل السنة، وألا يتزيد في القول، فيزل، من حيث لا يدري، ومن حيث كان في غنى عن مثل ذلك الزلل!!

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (301643)، ورقم: (364434)، ورقم: (130759).

والحاصل: أن الصفة إذا كانت معروفة المعني، لم يُتكلف في بيان معناها، لكن يجب الإيمان بها مع نفي التكييف والتشبيه، ولا مانع أن تعرّف ببعض ما ثبت لها من الأعمال والخصائص.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب