الأحد 19 شوّال 1445 - 28 ابريل 2024
العربية

كيف الجمع بين توفي الله للأنفس في نومها، وكون قلوب الأنبياء لا تنام؟

486874

تاريخ النشر : 06-01-2024

المشاهدات : 775

السؤال

الله يتوفى الأنفس في المنام، والنبي كان قلبه لا ينام، فكيف يكون الله توفى نفسه ولكن قلبه يشعر؟

ملخص الجواب

المسلم يثبت ما صح من أخبار الوحي، فنثبت أن الله تعالى يتوفي الأنفس في نومها، ونثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه، ولا ينام قلبه، ولا نفترض أي تعارض بينهما؛ لأن إثبات التعارض بين ظواهر هذه النصوص لا يمكن إلا إذا أدركنا حقيقة الروح، وحقيقة قبضها في النوم، ومدى ارتباطها في النوم بالقلب، وهذا مالا سبيل إليه؛ لأنه أمر غيبي، لم يأت في الوحي تفصيل له، فينبغي لنا الكف عن الخوض في مثل هذه الأمور الغيبية وعدم تكلف الكلام فيها.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قد ورد ما يدل على أن النائم يتوفى وفاة صغرى، تقبض روحه عند نومه وترسل عند استيقاظه.

قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الأنعام/60.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ) الآية، ذكر في هذه الآية الكريمة أن النوم وفاة، وأشار في موضع آخر إلى أنه وفاة صغرى، وأن صاحبها لم يمت حقيقة، وأنه تعالى يرسل روحه إلى بدنه حتى ينقضي أجله، وذلك في قوله تعالى: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) " انتهى من "أضواء البيان" (2 / 235).

وقد ورد ما يشير ظاهره إلى النبي صلى الله عليه وسلم داخل في عموم هذه الأنفس.

روى البخاري (6325) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ.

وفي صحيح مسلم (680) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ في قصة النوم عن صلاة الصبح أثناء العودة من غزوة خيبر، وفيه: "... فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا بِلَالٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا فَفَزِعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَيْ بِلَالُ فَقَالَ بِلَالٌ: ‌أَخَذَ ‌بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ بِنَفْسِكَ، قَالَ: اقْتَادُوا. فَاقْتَادُوا  رَوَاحِلَهُمْ شَيْئًا ... ".

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على بلال قوله: أَخَذَ ‌بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ بِنَفْسِكَ.

وأما ما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قبله، كمثل ما ورد عند البخاري (3569) ومسلم (738) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: " مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ تَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ قَالَ: تَنَامُ عَيْنِي وَلَا يَنَامُ قَلْبِي؛ فقد فسّر هذا بأنه في نومه يشعر قلبه بحال نفسه، وإن كانت حواسه لا تدرك ما يحيط به؛ لأنّ عينه نائمة.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" فإن قيل كيف نام النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس مع قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن عيناي تنامان ولا ينام قلبي )؟

فجوابه من وجهين:

أصحهما، وأشهرهما: أنّه لا منافاة بينهما؛ لأنّ القلب إنّما ‌يدرك ‌الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين وإنّما يدرك ذلك بالعين والعين نائمة وإن كان القلب يقظان.

والثاني: أنّه كان له حالان؛ أحدهما: ينام فيه القلب وصادف هذا الموضع، والثاني: لا ينام وهذا هو الغالب من أحواله. وهذا التأويل ضعيف، والصحيح المعتمد هو الأول " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (5 / 184).

ثانيا:

الاستشكال بين الآية والحديث لا معنى له وغير مستقيم؛ لأنّ الاستشكال يصح إذا علمنا كيفية وحقيقة قبض الله تعالى لأرواح النائمين، ورأينا ظاهر ذلك يتعارض مع يقظة القلب، لكننا نجهل ذلك، فالروح وإن كانت في أجسادنا، إلا أنّ حقيقتها وكيفية حركتها، أمر غائب عنا.

قال ابن العربي رحمه الله تعالى:

" النفس والروح ليس للشريعة فيها تصريح، وإنما كلامها كله فيها تلويح، حجبها الله تعالى عن الخلق بالغيب " انتهى من "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" (1 / 104).

وقال القرطبي رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ )، أي: يُنيمكم فيقبض نفوسكم التي بها تميزون، وليس ذلك موتا حقيقة، بل هو قبض الأرواح عن التصرف، بالنوم؛ كما يقبضها بالموت. ..

ويقال: إن الروح إذا خرج من البدن في المنام تبقى فيه الحياة، ولهذا تكون فيه الحركة والتنفس، فإذا انقضى عمره خرج روحه وتنقطع حياته، وصار ميتا لا يتحرك ولا يتنفس.

وقال بعضهم: لا تخرج منه الروح، ولكن يخرج منه الذهن.

ويقال: هذا أمر لا يعرف حقيقته إلا الله تعالى. وهذا أصح الأقاويل، والله أعلم " انتهى من "تفسير القرطبي" (8 / 407 – 408).

وأمور الغيب التي لم يرد في الشرع تفسير لها، علينا أن نكل علمها إلى الله تعالى، ولا نتكلف الكلام فيها؛ لأن الخوض فيها يجلب الحيرة والشك، ولا يوصل إلى يقين.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" ومما يدخل في النهي عن التعمق والبحث عنه: أمور الغيب الخبريّة التي أمر بالإيمان بها، ولم يبين كيفيتها، وبعضها قد لا يكون له شاهد في هذا العالم المحسوس، فالبحث عن كيفية ذلك هو مما لا يعني، وهو مما ينهى عنه، وقد يوجب الحيرة والشك، ويرتقي إلى التكذيب...

قال إسحاق بن راهويه: لا يجوز التفكر في الخالق، ويجوز للعباد أن يتفكروا في المخلوقين بما سمعوا فيهم، ولا يزيدون على ذلك، لأنهم إن فعلوا تاهوا، قال: وقد قال الله: ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )، فلا يجوز أن يقال: كيف تسبح القصاع، والأخونة، والخبز المخبوز، والثياب المنسوجة؟ وكل هذا قد صح العلم فيهم أنهم يسبحون، فذلك إلى الله أن يجعل تسبيحهم كيف شاء وكما يشاء، وليس للناس أن يخوضوا في ذلك إلا بما علموا، ولا يتكلموا في هذا وشبهه إلا بما أخبر الله، ولا يزيدوا على ذلك، فاتقوا الله، ولا تخوضوا في هذه الأشياء المتشابهة، فإنه يرديكم الخوض فيه عن سنن الحق " انتهى من "جامع العلوم والحكم" (2 / 172 – 173).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب