السبت 10 ذو القعدة 1445 - 18 مايو 2024
العربية

ما حكم سوق الهدي للحاج والمعتمر؟

484345

تاريخ النشر : 03-05-2024

المشاهدات : 258

السؤال

لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحلوا من إحرامهم في حجة الوداع لمن لم يكن معه هدي، مع العلم إن المفرد بالحج ليس عليه هدي؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

سوق الهدي من خارج مكة إلى الحرم: ليس بلازم لأي نسك؛ وإنما هو تطوع مستحب، وهو غير الهدي الواجب الذي على القارن والمتمتع.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" أما الهدي الذي ليس بواجب: وهو هدي التطوع، وهو مستحب، فيستحب لمن قصد مكة حاجا أو معتمرا أن يهدي إليها من بهيمة الأنعام، وينحره ويفرقه؛ لأن رسول صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة وهو قارن، ويكفيه لدم القران بدنة واحدة، بل شاة واحدة، وبقية المائة تطوع منه صلى الله عليه وسلم " انتهى من "أضواء البيان" (5/624).

فمن حج مفردا يستحب له أيضا سوق الهدي.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" سوق ‌الهدي، ‌مسنون ‌وليس ‌بواجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولم يأمر به، والأصل فيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم تعبدا دون أمر فإنه مسنون.

ولا يجوز للذي ساق الهدي أن يتمتع.

ولا يلزم أن يكون قارنا؛ بل يمكن أن يكون مفردا " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (25/105).

ويستحب سوق الهدي للمعتمر أيضا، فقد أهدى النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية.

وكذا يستحب لمن بقي في بلده ولم يحج أو يعتمر، كما في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يُهْدِي مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأَفْتِلُ ‌قَلَائِدَ هَدْيِهِ، ثُمَّ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ " رواه البخاري (1698)، ومسلم (1321).

وإنما الواجب على من ساق الهدي، سواء كان مفردا أم قارنا: أن لا يحل حتى يبلغ الهدي محلّه، كما أمر الله تعالى:

( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) البقرة/196.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) معطوف على قوله: ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) وليس معطوفا على قوله: ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) كما زعمه ابن جرير، رحمه الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم، حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم.

فأما في حال الأمن والوصول إلى الحرم: فلا يجوز الحلق ( حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) ويفرغ الناسك من أفعال الحج والعمرة، إن كان قارنا، أو مِنْ فِعلِ أحدِهما إن كان مفردا أو متمتعا، كما ثبت في الصحيحين عن حفصة أنها قالت: يا رسول الله، ما شأن النَّاسِ حَلُّوا من العمرة، وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ فقال: ( إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ ) " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/534).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ ) أي لا تزيلوها بالموسَى.

( حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ): "محِلّ" : يحتمل أن تكون اسم زمان؛ والمعنى: حتى يصل إلى يوم حلوله - وهو يوم العيد -؛ وثبتت السنة بأن من قدّم الحلق على النحر فلا حرج عليه.

ويحتمل أن المعنى: حتى يَذبح الهدي؛ وتكون الآية فيمن ساق الهدي؛ ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل: مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ( إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِيَ، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ ) " انتهى من "تفسير الفاتحة والبقرة" (2/ 392 – 393).

وكما في حديث ابن عمر الذي سيأتي: ( فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِشَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ ).

ثانيا:

وأما ما رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227) عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ( تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِشَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ، ثُمَّ لْيُهِلَّ بِالْحَجِّ ... ).

فهذا الحديث يدل على أن من ساق الهدي: فالأفضل له أن يحج قارنا، ومن لم يسق فالأفضل أن يحج متمتعا.

وعلى ذلك؛ فمن كان منهم متمتعا، وساق الهدي: فإنه يحل بعد عمرته، إن شاء، ثم يأتي بالحج منفصلا بعد ذلك. غير أن الأفضل له ألا يتحلل بعد العمرة، بل يأتي بالعمرة والحج معا، ويكون قارنا، وهذا هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن كان نوى القران من الأصل، وساق هديه: فهذا أمره ظاهر، ولا إشكال فيه.

وأما من كان مفردا، ولم ينو عمرة: فإن كان قد تطوع، وساق هديه: فهذا له أن يظل على إفراده، ويكون متطوعا بالهدي، والأفضل له أن يدخل العمرة على حجه، ويكون قارنا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" والتحقيق الثابت بالأحاديث الصحيحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج بأصحابه أمرهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ساق الهدي، فلما لم يحلل، توقفوا، فقال: ( لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، لَمَّا سُقْتُ الْهَدْيَ، ولَجَعَلْتُهاَ عُمْرَة )، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين العمرة والحج.

فالذي تدل عليه السنة أنّ من لم يسق الهدي: فالتمتع أفضل له.

وأنّ من ساق الهدي: ‌فالقران ‌أفضل له.

هذا إذا جمع بينهما في سفرة واحدة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (20 / 373).

الخلاصة:

سوق الهدي ليس بلازم لأي نسك، فيستحب للمفرد كما للقارن أن يسوق الهدي، لكن الأفضل لمن ساقه أن يحج قارنا.

وإنما الواجب على من ساق الهدي أن لا يحلّ من إحرامه حتى يبلغ الهدي محله.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب