الاثنين 20 شوّال 1445 - 29 ابريل 2024
العربية

هل قوله تعالى (فإنك بأعيننا) خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؟

423042

تاريخ النشر : 15-10-2023

المشاهدات : 1782

السؤال

هل قوله تعالى: (فإنك بأعيننا)، موجه للبشر، أو الرسول صلى الله عليه وسلم فقط؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

الخطاب في القرآن الكريم يأتي على أنواع:

- فمنه خطاب لجميع الأمة، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ  إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ البقرة/153.

- ومنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمخاطب به أمته، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ  إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا الأحزاب/1، وقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ  تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ  وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ التحريم/1.

- ومنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو خاص به، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ  قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ  وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا  الأحزاب/50، وقال:  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا الأحزاب/ 45.

انظر: "معالم السنن" (2/7)، "بدائع الفوائد" (4/1602)، وانظر الأجوبة: (181195)، (336563)، (201417).

ثانيًا:

قوله تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا  وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ الطور/48، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وعلى هذا درج العلماء في تفسير هذه الآية.

قال "الطبري": "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ‌واصبر ‌لحكم ‌ربك يا محمد الذي حكم به عليك، وامض لأمره ونهيه، وبلغ رسالاته.

فإنك بأعيننا يقول جل ثناؤه: فإنك بمرأى منا؛ نراك ونرى عملك، ونحن نحوطك ونحفظك، فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين" انتهى من "تفسير الطبري" (21/605).

وقال "ابن عاشور": "وكان مفتتح السورة خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم ابتداء من قوله تعالى: (إن عذاب ربك لواقع) المسوق مساق التسلية له، وكان في معظم ما في السورة من الأخبار ما يخالطه في نفسه صلى الله عليه وسلم من الكدر والأسف على ضلال قومه، وبعدهم عما جاءهم به من الهدى؛ ختمت السورة بأمره بالصبر، تسلية له، وبأمره بالتسبيح، وحمد الله شكرا له على تفضيله بالرسالة"، انتهى من "التحرير والتنوير" (27/83).

وفي هذه الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما ينوبه، ووعد من الله جل جلاله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ألا يخليه من عونه وحفظه، ورعايته وكلاءته له.

وقال "ابن القيم": "وقوله: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا، وهذا يتضمن الحراسة والكلاءة والحفظ للصابر لحكمه"، انتهى من "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" (1/214).

ثالثًا:

ومع ذلك، فإن المؤمن ينبغي أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبر، وإن فعل: فله من الأجر والمعونة بقدر صبره.

قال "ابن تيمية": "وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (‌وَاصْبِرْ ‌لِحُكْمِ ‌رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ)، وقال: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ، وقال: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ، فأمره أن يصبر الصبرَ الاختياري كما صبر أولو العزم، فيصبر لحكمِ ربه: الحكمِ الأمري بامتثال أمر ربه في تبليغ الرسالة، ودعوة الخلق وبيانِ ما بُعِث به، والحكمِ المقدَّرِ بأن يصبر على تكذيب المكذّبين، وافترائهم عليه، وعداوتهم له"، انتهى من "جامع المسائل" (8/ 230).

قال "ابن القيم": "وأمر رسوله بالصبر لحكمه، وأخبر أن صبره إنما هو به، وبذلك جميع المصائب تهون، فقال: ‌وَاصْبِرْ ‌لِحُكْمِ ‌رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ، وقال: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ "، انتهى من "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" (1/8).

وقال ابن القيم: " والله سبحانه إنما ضَمِنَ نصر دينه وحِزْبه وأوليائه بدينه علمًا وعملًا، لم يضمن نصْرَ الباطل ولو اعتقد صاحبه أنه مُحِقّ، وكذلك العِزّة والعُلُوّ إنما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رُسُلَه، وأنزل به كتبه، وهو علمٌ وعملٌ وحالٌ.

قال تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فللعبد من العلوّ بحسب ما معه من الإيمان.

وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، فله من العزة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاتَهُ حَظّ من العلوّ والعزة، ففي مُقابلة ما فاته من حقائق الإيمان علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا.

وكذلك الدفعُ عن العبد هو بحسب إيمانه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا فإذا ضَعف الدفعُ عنه فهو من نَقْص إيمانه.

وكذلك الكفاية والحَسْبُ هي بقَدْرِ الإيمان، قال تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، أي: حَسْبُك الله وحَسْبُ أتباعك، أي كافيك وكافيهم، فكفايته لهم بحسب اتّباعهم لرسوله، وانقيادهم له، وطاعتهم له، فما نقص من الإيمان عاد بنقصان ذلك كلِّه. ومذهب أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيدُ وينقص.

وكذلك ولاية الله تعالى لعبده هي بحسب إيمانه، قال تعالى: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ، وقال الله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا.

وكذلك مَعِيَّتُهُ الخاصة هي لأهل الإيمان، كما قال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ، فإذا نقص الإيمانُ وضعُفَ، كان حَظّ العبد من ولاية الله له ومَعِيّته الخاصة بقدر حَظّه من الإيمان.

وكذلك النصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل، قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ، وقال: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ، فمن نقص إيمانُه نقص نصيبه من النصر والتأييد.

ولهذا إذا أصيبَ العبد بمصيبةٍ في نفسه أو ماله أو بإدالة عَدُوّه عليه، فإنما هي بذنوبه، إما بترك واجبٍ، أو فعل محرم، وهو من نقْص إيمانه.

وبهذا يزول الإشكال الذي يُورده كثير من الناس على قوله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ، ويجيبُ عنه كثيرٌ منهم بأنه لن يَجْعَلَ لهم عليهم سبيلًا في الآخرة، ويجيب آخرون بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلًا في الحجة.

والتحقيق: أنها مثل هذه الآيات، وأن انتفاء السبيل عن أهل الإيمان الكامل، فإذا ضعف الإيمان، صار لعدوّهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم، فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بما تركوه من طاعة الله تعالى.

فالمؤمن عزيز عالٍ مُؤَيَّدٌ منصور مَكْفِيٌّ، مَدْفوعٌ عنه بالذات أين كان، ولو اجتمع عليه مَنْ بأقطارها؛ إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته، ظاهرًا وباطنًا.

وقد قال تعالى للمؤمنين: فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد: 35]؛ فهذا الضمان إنما هو بإيمانهم وأعمالهم، التي هي جُندٌ من جنود الله، يحفظهم بها، ولا يُفْرِدُها عنهم، ويقتطعها عنهم، فيُبْطِلها عليهم، كما يَتِرُ الكافرين والمنافقين أعمالهم، إذ كانت لغيره، ولم تكن مُوافقةً لأمره"، انتهى من "إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان" (2/ 925 - 928).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب