السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

هل يكون الصراط يوم القيامة قبل الحوض؟

418867

تاريخ النشر : 14-10-2023

المشاهدات : 2293

السؤال

في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في طلبه الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم جاء ذكر الصراط قبل الميزان، كما عند الترمذي صحيح، فآمل التوضيح؛ لأنني أعلم أن الصراط بعد الميزان.

الجواب

الحمد لله.

الحديث الذي أشرت إليه، رواه الإمام أحمد في "المسند" (20/210)، والترمذي (2433): عن حَرْب بْن مَيْمُونٍ الأَنْصَارِيّ أَبي الخَطَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقَالَ:  أَنَا فَاعِلٌ ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ؟

قَالَ: اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ.

قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟

قَالَ: فَاطْلُبْنِي عِنْدَ المِيزَانِ.

قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ المِيزَانِ؟

قَالَ: فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الحَوْضِ، فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ المَوَاطِنَ.

وهذا الحديث رواته ثقات.

وقال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ ".

ومعنى هذا الحديث مشكل، حيث يشير إلى أن الصراط أولا ثم الميزان ثم الحوض، وهذا يخالف ما هو مشهور عند أهل العلم بأن الحوض أولا ثم الميزان ثم الصراط، كما قد سبق ذكره في جواب السؤال رقم: (220511).

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" واختلف في الميزان والحوض أيهما قبل الآخر، فقيل: الميزان قبل، وقيل: الحوض.

قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل.

قلت: والمعنى يقتضيه؛ فإن الناس يخرجون عطاشاً من قبورهم كما تقدم، فيقدم قبل الصراط والميزان . والله أعلم...

وقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ على الحوض إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ، فَقُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ، قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ القَهْقَرَى... ).

قلت: فهذا الحديث مع صحته أدل دليل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط، لأن الصراط إنما هو جسر على جهنم ممدود يجاز عليه، فمن جازه سلم من النار... " انتهى. "التذكرة" (2 / 703).

ولأن بعد المرور على الصراط يوقف الناجون للتهذيب من أجل دخول الجنة، وهذا يقتضي أن الميزان كان قبل ذلك.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ رواه البخاري (2440).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" قوله: ( إذا خلص المؤمنون من النار )، أي: نجوا من السقوط فيها بعد ما جازوا على الصراط، ووقع في رواية هشام عن قتادة عند المصنف في المظالم: ( إذا خلص المؤمنون من جسر جهنم ) " انتهى من "فتح الباري" (11/399).

وقد حاول بعض أهل العلم توجيه ما ورد فيه من كون الميزان والحوض بعد الصراط، كما قال عبد الحق الدهلوي رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( فاطلبني عند الميزان ) قيل: المشهور أن الميزان قبل الصراط، ونظم هذا الحديث يدل على أن الصراط مقدم على الميزان؟

وأجيب بأن الطلب في المظان المرتبة يجوز أن يبدأ من كل طرف أراد الطالب، سواء كان من الطرف المتقدم أو المتأخر، وكذا ذكر المواقف المرتبة يجوز أن يبدأ من كل طرف، فإن الترتيب بحسب الذكر لا يدل على الترتيب بحسب الزمان، ولا بالطبع، ولا بحسب الذات.

وأجيب أيضًا بأنه يجوز أن يكون صلى اللَّه عليه وسلم في وقت واحد تارة على الصراط، وتارة على الميزان، ويتكرر الوقوف " انتهى من "لمعات التنقيح" (9/91).

لكن هذا التوجيه والجمع، ضعيف؛ لأن متن هذا الحديث يدل على أن الصراط هو الأول، حيث ورد فيه: اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ .

فهو مأمور بأن تكون بداية الطلب عند الصراط، ومن مر على الصراط لا يرجع إلى موقف قبله.

ثم هذا الحديث يخالف ظاهر حديث أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:  " أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلاَنًا؟ قَالَ: سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ رواه البخاري (3792)، ومسلم (1845).

فحدّد النبي صلى الله عليه وسلم مكان اللقاء ، وهو عند الحوض، وليس على الصراط، وأنس بن مالك أنصاري، فيلقى النبي صلى الله عليه وسلم عند الحوض كما هو ظاهر هذا الحديث.

فيحتمل أن في الحديث وهما من راويه؛ فحرب بن ميمون، وإن وثقه بعض أئمة الحديث، فقد نسب إلى الوهم في بعض مروياته، وأن له غرائب.

قال الدارقطني رحمه الله تعالى:

" حرب بن ميمون اثنان بصريان: أَحدهما: يكنى: أبا الخطاب، وهو الأنصاريّ، يحدث عن النّضر بن أنس بنسخة لا يتابع عليها، روى عنه يونس المؤدب ونظراؤه " انتهى من "تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان" (ص79).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" حرب بن ميمون، أبو الخطاب الأنصاري، بصري صدوق يخطئ " انتهى من "ميزان الاعتدال" (1/470).

وهذا الذي يلمس من عبارة ابن كثير رحمه الله تعالى، حيث قال:

" ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط، وكذلك الميزان أيضا، وهذا لا أعلم به قائلا، اللهم إلا أن يكون المراد به حوضا آخر، يكون بعد قطع الصراط، كما جاء في بعض الأحاديث، ويكون ذلك حوضا ثانيا لا يذاد عنه أحد، والله سبحانه أعلم " انتهى من "البداية والنهاية" (19/471).

وقال محققو المسند: " رجاله رجال الصحيح، ومتنه غريب " انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب