الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

حكم التكني بـ "أبي العلم"

398840

تاريخ النشر : 07-02-2023

المشاهدات : 1980

السؤال

هل يجوز التكني بأبي العلم؟

ملخص الجواب

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التسمي بالأسماء التي تتضمن تزكية صاحبها ومدحه ، وأمر بتغييرها. والتكني بـ "أبي العلم" : لا شك أن فيه تزكية، بأن صاحب هذه الكنية على قدر كبير من العلم، وهذه أمارة غرور، ينبغي لصاحبه أن يتدارك نفسه، لا أن يعينها على ما هي فيه من الغفلة والجهالة؛ فينهى عن التكني بهذه الكنية بكل حال.

الجواب

الحمد لله.

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التسمي بالأسماء التي تتضمن تزكية صاحبها ومدحه ، وأمر بتغييرها.

روى البخاري (192)، ومسلم (2141) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: " أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ ، فَقِيلَ : تُزَكِّي نَفْسَهَا، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ".

وروى مسلم (2142) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ قَالَ : " سَمَّيْتُ ابْنَتِي بَرَّةَ، فَقَالَتْ لِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ هَذَا الِاسْمِ، وَسُمِّيْتُ بَرَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ فَقَالُوا : بِمَ نُسَمِّيهَا ؟ قَالَ: سَمُّوهَا زَيْنَبَ.

فسبب الكراهة ما في الاسم من تزكية للنفس ومدحها.

قال النووي رحمه الله: " مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيث تَغْيِير الِاسْم الْقَبِيح أَوْ الْمَكْرُوه إِلَى حَسَن، وَقَدْ ثَبَتَ أَحَادِيث بِتَغْيِيرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاء جَمَاعَة كَثِيرِينَ مِنْ الصَّحَابَة , وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّة فِي النَّوْعَيْنِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَهِيَ التَّزْكِيَة، أَوْ خَوْف التَّطَيُّر (التشاؤم) " انتهى من "شرح مسلم".

والتكني بـ "أبي العلم" : لا شك أن فيه تزكية، بأن صاحب هذه الكنية على قدر كبير من العلم، بل واختيالا من المرء في نفسه ، نسأل الله العافية.

حتى عد الفقيه الشافعي المحقق ابن حجر الهيتمي، الدعوى في مثل ذلك، فخرا وزهوا من الكبائر. قال:

"الكَبِيرَةُ السّادِسَةُ والأرْبَعُونَ: الدَّعْوى فِي العِلْمِ أوْ القُرْآنِ أوْ شَيْءٍ مِن العِباداتِ زَهْوًا وافْتِخارًا بِغَيْرِ حَقٍّ ولا ضَرُورَةٍ.

ثم قال:

"تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذا كَبِيرَةً بِالقُيُودِ الَّتِي ذَكَرْتُها فِيهِ هُوَ ظاهِرُ ما فِي هَذِهِ الأحادِيثِ ولَيْسَ بِبَعِيدٍ مِن قِياسِ كَلامِهِمْ لِأنَّهُمْ إذا عَدُّوا إسْبالَ نَحْوِ الإزارِ خُيَلاءَ كَبِيرَةً، فَأوْلى أنْ يَعُدُّوا هَذا لِأنَّهُ أقْبَحُ وأفْحَشُ، وقِياسُ سائِرِ العِباداتِ كاَلَّذِي ذَكَرْتُهُ ظاهِرٌ أيْضًا، وقَوْلِي: بِغَيْرِ حَقٍّ ولا ضَرُورَةٍ احْتَرَزْتُ بِهِ عَمّا لَوْ دَخَلَ بَلَدًا لا يَعْرِفُونَ عِلْمَهُ وطاعَتَهُ، فَلَهُ أنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ لَهُمْ قَصْدًا لَأنْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِ ويَنْتَفِعُوا بِهِ ومِنهُ نَحْوُ قَوْلِ يُوسُفَ - ﷺ - عَلى نَبِيِّنا وعَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الأرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف ٥٥] وكَذا لَوْ أنْكَرَ عِلْمَهُ مُعانِدٌ أوْ جاهِلٌ، فَلَهُ أنْ يَذْكُرَ عِلْمَهُ ويَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ إرْغامًا لِأنْفِ ذَلِكَ الجاهِلِ العَنِيدِ حَتّى يُقْبِلَ النّاسُ عَلَيْهِ ويَنْتَفِعُوا بِعُلُومِهِ." انتهى، من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/158).

ومن كان صاحب علم حقا، قد تعلم ، وتحقق فيه : لم يخطر له مثل ذلك ببال، وعلم أنما هو التفاوت بين البشر، في قدر ما رفعوا عن أنفسهم من الجهل، ونالهم من تعليم الله لهم، وفضله عليهم.
قال مالك بن دينار:

" إنَّكُمْ فِي زَمانٍ كَثِيرٌ تَفاخُرُهُمْ، أوْ قالَ: تَعاجُبُهُمْ، قَدِ انْتَفَخَتْ ألْسِنَتُهُمْ فِي أفْواهِهِمْ، وطَلَبُوا الدُّنْيا بِعَمَلِ الآخِرَةِ، فاحْذَرُوهُمْ عَلى أنْفُسِكُمْ، لا يُوقِعُوكُمْ فِي شَبَكاتِهِمْ.

يا عالِمُ، أنْتَ عالِمٌ تَفْخَرُ بِعِلْمِكَ، يا عالِمٌ أنْتَ عالِمٌ تَأْكُلُ بِعِلْمِكَ، يا عالِمٌ أنْتَ عالِمٌ تَسْتَطِيلُ بِعِلْمِكَ، يا عالِمٌ أنْتَ عالِمٌ تُكاثِرُ بِعِلْمِكَ، لَوْ كانَ هَذا العِلْمُ طَلَبْتَهُ لِلَّهِ لَرُئِيَ ذَلِكَ فِيكَ وفِي عَمَلِكَ". انتهى، من "الزهد" لأبي حاتم الرازي (51).

وقد قيل: العلم ثلاثة أشبار، من دخل في الشبر الأول، تكبر ومن دخل في الشبر الثانى، تواضع ومن دخل في الشبر الثالث، علم أنه ما يعلم.
"حلية طالب العلم" (198).

وقد صدق الشاعر، إذ قال:

العلمُ للرحمنِ ﷻ … وسِواهُ في جلالته يتغمغمُ

ما للترابِ وللعلومِ وإنما … يسعى ليعلمَ أنه لا يعلم

والحاصل:

أن التكني بذلك: لا يكون ممن عرف حقيقة العلم، وعرف حقيقة نفسه؛ إنما هي أمارة غرور، ينبغي لصاحبه أن يتدارك نفسه، لا أن يعينها على ما هي فيه من الغفلة والجهالة؛ فينهى عن التكني بهذه الكنية بكل حال.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب