الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

حول حديث المعازف ، وحديث تردي النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديث الداجن ، ورواية البخاري لبعضها

306993

تاريخ النشر : 07-10-2019

المشاهدات : 10881

السؤال

ما الفرق بين حديث المعازف في البخاري وحديث تردي النبي صلى الله عليه وسلم وحديث أكل الداجن للصحيفة الموجود بها الاية حيث أن أهل العلم يقولون على الأول أنه صحيح ولو كان معلقا لأنه من معلقات البخاري والحديثين الاخرين ضعيفين لأنهما ليسا من مسانيد البخاري ..فأرجو توضيح الفرق بارك الله فيكم ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

سبق الكلام على الأحاديث المعلقة في صحيح البخاري، وأنها على مراتب ، وليست على مرتبة واحدة ، وليس هي من جملة "الحديث المسند" ، الذي يخرجه البخاري في صحيحه، ويقال فيه : رواه البخاري، هكذا ، بإطلاق.

فينظر جواب السؤال رقم (269251)، وينظر أيضا حول حديث المعازف جواب السؤال رقم (278064).

ثانيا:

أما الحديث الذي ذُكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انقطع عنه الوحي همّ أن يتردى من فوق الجبال، فالجواب عن إشكاله:

أن هذا الحديث لم يروه البخاري بالإسناد المتصل ، ولم يروه كذلك معلقا ، وإنما ذكره بلاغا عن معمر أو عن الزهري ، والبلاغات من قبيل المنقطع ، وهذا هو سياق الحديث كما جاء في البخاري.

قال الإمام البخاري في "صحيحه" (6982) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، ح وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّهَا قَالَتْ: " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ، اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا ، حَتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فِيهِ ، فَقَالَ: اقْرَأْ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: 1]- حَتَّى بَلَغَ - عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق: 5] " فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ ، فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ ، فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ ، مَا لِي وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ ، وَقَالَ: قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ لَهُ: كَلَّا ، أَبْشِرْ ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى بْنِ قُصَيٍّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخُو أَبِيهَا ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العَرَبِيَّ ، فَيَكْتُبُ بِالعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمِّ ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ ، فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى ، فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى ، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا ، أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ .

وَفَتَرَ الوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا بَلَغَنَا ، حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الجِبَالِ ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ ، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا ، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ ، وَتَقِرُّ نَفْسُهُ ، فَيَرْجِعُ ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ".

والشاهد منه قوله :" وَفَتَرَ الوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا بَلَغَنَا ، حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الجِبَالِ "

فقوله "فيما بلغنا " ، يُعد من بلاغات معمر، أو الزهري ، وبالتالي فهو ليس على شرط البخاري لأنه منقطع .

قال القاضي عياض في "الشفا" (2/244) :" وَقَوْلُ مَعْمَرٍ فِي فَتْرَةِ الْوَحْيِ  : فَحَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما بلغنا- حزنا غدا منه مرارا كي يتردّى من شواهق الجبال..

ولا يَقْدَحُ فِي هَذَا الْأَصْلِ لِقَوْلِ مَعْمَرٍ عَنْهُ - فِيمَا بَلَغَنَا-  وَلَمْ يُسْنِدْهُ ، وَلَا ذَكَرَ رُوَاتَهُ ، وَلَا مَنْ حَدَّثَ  بِهِ ، وَلَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ ، وَلَا يُعْرَفُ مِثْلُ هَذَا إِلَّا مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". انتهى

قال ابن حجر في "فتح الباري" (12/359) :" ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلَ : ( فِيمَا بَلَغَنَا ) ، هُوَ الزُّهْرِيّ، ُ وَمَعْنَى الْكَلَامِ : أَنَّ فِي جُمْلَةِ مَا وَصَلَ إِلَيْنَا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِه الْقِصَّة .

وَهُوَ مِنْ بَلَاغَاتِ الزُّهْرِيِّ ، وَلَيْسَ مَوْصُولًا ". انتهى

وقال أبو شامة المقدسي في "شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى" (ص177) :" قوله : " وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فيما بلغنا ، حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال " :

هذا من كلام الزهري أو غيره ، غير عائشة . والله أعلم . لقوله : " فيما بلغنا " ،  ولم تقل عائشة في شيء من هذا الحديث ذلك ، وإن كانت لم تدرك وقته ".انتهى

فتبين مما سبق أن ذكر التردي في الحديث : لم يروه البخاري متصلا ، وإنما أورده بلاغا ، فليس على شرطه ، ولا يجوز أن يقال رواه البخاري في صحيحه .

وينظر كلاما مفصلا حول ضعف بلاغ الزهري المذكور من حيث الإسناد ، ونكارته من حيث المتن، في كتاب: "رد شبهات حول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم"، د. عماد الشربيني، (304) وما بعدها . وينظر أيضا: سلسلة الأحاديث الضعيفة، للشيخ الألباني، رقم (1052) ورقم (4858).

ثالثا:

أما الحديث الثاني، وهو حديث الداجن، فللجواب عن إشكاله، نقول:

هذا الحديث لم يذكره البخاري في صحيحه أصلا ، ولعل السائل وهم في عزوه للبخاري .

وعلى كلٍ فالحديث باطل ، وإسناده لا يصح .

أخرجه أحمد في "مسنده" (26316) ، وابن ماجه في "سننه" (1944)، والدارقطني في "سننه" (4/179) ، من طريق محمد بن إسحاق ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:"لَقَدْ نَزَلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَاعَةُ الْكَبِيرِ عَشْرًا ، وَلَقَدْ كَانَ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي ، فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ ، دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا".

قال الجورقاني في "الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير" (2/184) :" هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ ، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ ، وَفِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ الِاضْطِرَابِ ".انتهى

والعلة ليست فقط في كون محمد بن إسحاق روى الحديث ، وإنما في مخالفة الثقات الأكابر له في رواية الحديث .

حيث خالفه مالك في روايته ، فرواه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهَا قَالَتْ:" كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ ".

ولم يذكر مالك في روايته الداجن .

أخرجه مالك في "الموطأ" (2/608) ، ومن طريقه مسلم في "صحيحه" (1452) .

وأيضا رواه يحيى بن سعيد عن عمرة ، عن عائشة بلفظ :" نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ، ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ " .

أخرجه من طريقه مسلم في "صحيحه" (1452) .

فتبين مما سبق أن حديث الداجن لم يروه البخاري ولا مسلم ، وإنما أخرجه ابن ماجة وغيره من طريق ابن إسحاق ، وفي حفظه مقال معروف ، وحديثه حسن إن صرح بالتحديث ، إلا أنه في هذا الحديث خالفه الأئمة الثقات يحيى بن سعيد ، ومالك بن أنس ، فدل على أنه وهم وأخطأ في ذكر الداجن.

وقد سبق الكلام مفصلا عن الحديث المذكور في جواب السؤال رقم (175355).

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب