الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

أثر عن الجزاء في الجنة لمن يترك الأغاني المحرمة

296100

تاريخ النشر : 10-12-2018

المشاهدات : 17466

السؤال

ما صحة هذا الحديث ، وهل صحيح أن جزاء من يترك سماع الأغاني يلهم سماع التسبيح في الجنة ؟ عن عاصم بن حميد قال: قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: جعلتُ فداك هل في الجنة غناء؟ قال عليه السلام إن في الجنة شجراً يأمر الله ريحاً فتهبُ فتضرب تلك الشجر بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها حُسناً, ثم قال هذا لمن ترك سماع الغناء في الدنيا مخافة الله.

الجواب

الحمد لله.

الاجابة

الأثر المذكور ، هو من مرويات الشيعة، ومع عدم صحة إسناده إلى أبي عبد الله، فهو موقوف عليه .

وأبو عبد الله هو جعفر بن محمد المعروف بالصادق ، وهو من أتباع التابعين، وليس هذا الأثر نصا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد روى الحكيم الترمذي حديثا بمعنى هذا القول المنسوب إلى جعفر الصادق، فروى عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: "قَالَ رجل: يَا رَسُول الله! إِنِّي رجل حُبِّبَ إليّ الصَّوْتُ الْحسن، فَهَل فِي الْجنَّة صَوت حسن؟

فَقَالَ:  إِي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ! إِن الله لَيُوحِي إِلَى شَجَرَة فِي الْجنَّة: أَن أسمعي عبَادي الَّذين اشتغلوا بعبادتي وذكري عَن عزف البَراِبط والمزامير، فَترفع بِصَوْت حسن لم يسمع الْخَلَائق بِمثلِهِ من تَسْبِيح الرب وتقديسه   " .

رواه في "نوادر الأصول" (1 / 248) بإسناده عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، حدثنا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ، حدثني مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ الرَّاسِبِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَرَادَةَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَا: حد ثنا الْقَاسِمُ بْنُ مُطَيَّبٍ الْعِجْلِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْن يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ.

وهذا الحديث ضعيف الإسناد ، يرويه سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ ، وفي حديثه أوهام، عن شيخيه موسى بن سعيد ولم نقف على من وثقه، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَرَادَةَ ضعفه أهل العلم، وروايتهما للحديث هي عن الْقَاسِمِ بْنِ مُطَيَّبٍ الْعِجْلِيّ ، وقد ضعفه أهل العلم.

وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما شبيها من هذا؛ لكن من دون ذكر أن سماع هذه الأصوات الحسنة خاص بمن لم يسمع الغناء في الدنيا.

فروى ابن أبي حاتم في "التفسير" (10 / 3331) بإسناده عَنْ زَمَعَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سلمة ابن وَهْرَامَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " الظِّلُّ الْمَمْدُودُ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ عَلَى سَاقٍ ، ظِلّهَا، قَدْر مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي نَوَاحِيهَا، مَائَةَ عَامٍ.

قَالَ: فَيَخْرُجُ إِلَيْهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ، أَهْلُ الْغُرَفِ وَغَيْرُهُمْ، فَيَتَحَدَّثُونَ فِي ظِلِّهَا. قَالَ: فَيَشْتَهِي بَعْضُهُمْ وَيَذْكُرُ لَهْوَ الدُّنْيَا فَيُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا مِنَ الْجَنَّةِ فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ فِي الدُّنْيَا ".

وهذا الأثر ضعيف لضعف راويه زمعة بن صالح، وضعَّف اسناده الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (2 / 481).

ولم نقف على ما يدل على أن المستمع إلى الغناء يحرم سماع الأصوات الحسنة في الآخرة.

ولا يلزم من تحريم الشيء ، أن يكون قد ثبت فيه الوعيد المعين ، لا المذكور ولا غيره .

ولا يلزم أيضا ، من عدم صحة هذا الوعيد ، أن يهون أمر الغناء على سامعه .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" والغناء أشد لهوا، وأعظم ضررا...، فإنه رُقْية الزنى، ومُنبِتُ النفاق، وشَرَك الشيطان، وخَمْرة العقل، وصدُّه عن القرآن أعظم من صدِّ غيره من الكلام الباطل؛ لشدة ميل النفوس إليه، ورغبتها فيه.

إذا عُرف هذا فأهل الغناء ومُستمعوه لهم نصيب من هذا الذم، بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن، وإن لم ينالوا جميعه؛ فإن الآيات تضمنت ذمّ من استبدل لهو الحديث بالقرآن؛ ليُضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا، وإذا تُلي عليه القرآن ولَّى مستكبرًا كأن لم يسمعه، كأن في أذنيه وقرًا، وهو الثقل والصمم، وإذا علم منه شيئًا استهزأ به.

فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرا، وإن وقع بعضه للمغنين ومُستمعيهم؛ فلهم حصة ونصيب من هذا الذم.

يُوضحه: أنك لا تجد أحدًا عُني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علما وعملا، وفيه رغبةٌ عن استماع القرآن إلى استماع الغناء، بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عَدَلَ عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرآن، وربما حمله الحالُ على أن يُسْكِتَ القارئ ويستطيل قراءته، ويستزيد المغنِّي ويستقصر نوبته، وأقل ما في هذا أن يناله نصيب وافر من هذا الذم، إن لم يحُطْ به جميعه.

والكلام في هذا مع من في قلبه بعض حياة يُحِسّ بها، فأما من مات قلبُه، وعظمت فتنته، فقد سَدّ على نفسه طريق النصيحة: ( وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )." انتهى. "إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان" (1 / 426 – 427).

راجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (122906) ورقم (139871).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب