الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

موقف المسلم من اختلال المفاهيم

277134

تاريخ النشر : 16-04-2019

المشاهدات : 11011

السؤال

إننا نجد القرآن الكريم يأمرنا بأمر ، ويعظمه ، ويرغب فيه ، ويندب إليه ؛ ويظهر عند بعض من الناس أنه غلو أو تطرف أو تشدد أو تخلف ورجعية ..الخ وفي المقابل: نجد الذي يبين لنا القرآن أن أمرا من: النفاق ، والكفر ، والفسوق ، والعصيان ، نجد من يحتفي به ، ويهونه ، ويزين له ، ويقدمه ، ويباركه. فكيف نميز الحق من الباطل؟ نحن في أشد ما نكون حاجة إلى العلم والعلماء ، والحاجة لتبيين الحق وإظهاره ، والاعتزاز به . وهل اختلال المفاهيم له سابقة في أزمان مضت أم هو خاص بزمننا وعلامة من علامات الساعة؟!

الجواب

الحمد لله.

أولا:

يلزم المؤمن تعلم ما تصح به عقيدته وعبادته ومعاملته، كما يلزمه السؤال عما اشتبه عليه ولم يعرف حكمه من الأقوال والأعمال، كما قال الله:  فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ  النحل/43 .

ثم يجتهد بعد ذلك في معرفة كلام الله ، وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتدبر ذلك ، والتفقه فيه ، على طرائق أهل العلم والسنة ، من السلف الماضين ، ومن سار على دربهم من أهل العلم .

وبهذا يتبين له الحق، ويعلم الخير من الشر، والتوحيد من الشرك، والإيمان من النفاق، فإذا علم ذلك وجب عليه التمسك بالحق، والدعوة إليه بما يستطيع.

وهذا طريق الأنبياء، وسبيل النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما قال الله:   قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ   يوسف/108 .

وينبغي أن يراعي في نصحه ودعوته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر: الحكمة، والرفق، والحرص على هداية الناس.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فلا بد من هذه الثلاثة: العلم؛ والرفق؛ والصبر؛ العلم قبل الأمر والنهي؛ والرفق معه ، والصبر بعده . وإن كان كل من الثلاثة مستصحبا في هذه الأحوال؛ وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعا؛ ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد: " لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، إلا من كان فقيها فيما يأمر به؛ فقيها فيما ينهى عنه؛ رفيقا فيما يأمر به؛ رفيقا فيما ينهى عنه؛ حليما فيما يأمر به حليما فيما ينهى عنه" انتهى من "مجموع الفتاوى" (28/ 137).

ثانيا:

اختلال المفاهيم يحدث في كل زمان، وقد حدث في أواخر عصر الصحابة بظهور الخوارج والشيعة، ثم زاد الأمر بزيادة الفرق المنحرفة، واختلت المفاهيم فيما يتصل بالتوحيد وأصل الإيمان، وهدى الله من هدى من عباده، ومسّكهم بالسنة، وثبّتهم عليها.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقوع ذلك ، في الأمة :

فعن حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ حَدَّثَنَا: أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ ،  ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ قَالَ:   

يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ - ثُمَّ أَخَذَ حَصًى فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ - .

فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا .

حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ مَا أَظْرَفَهُ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ

  وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ، وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لِأُبَايِعَ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا " .

رواه البخاري (6497) ، ومسلم (143) .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ :   سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ، قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ  .

رواه ابن ماجة (4036) وغيره ، وصححه الألباني .

وإذا علم المؤمن ذلك أفاده الاطمئنان، وعدم اليأس، فإن الدين قائم منصور، ولا تزال طائفة من الأمة على الحق ظاهرين، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

وكلما عظمت الغربة، عظم أجر المتمسك بدينه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من ورائكم زمان صبر للمتمسك فيه أجر خمسين شهيدا منكم" رواه الطبراني من حديث ابن مسعود، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (2234) .

ثالثا:

واجب العلماء البيان والنصح والإرشاد، كما أُخذ عليهم من الميثاق.

قال الله تعالى:  وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ  آل عمران/187 .

وقد يباح للعالم السكوت، أو الاكتفاء بالنصح الخاص، إذا خاف الأذى، وقد قال الله في شأن نبيه الكريم موسى صلى الله عليه وسلم:  فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ  الشعراء/21 .

لكن لا يباح للعالم تغيير الدين وتبديله لخوف أو طمع.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب