الأحد 19 شوّال 1445 - 28 ابريل 2024
العربية

الرد على من زعم أن الصحابة داخلون في قوله تعالى (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ).

258917

تاريخ النشر : 28-03-2023

المشاهدات : 3449

السؤال

ما رأيكم فيمن يقول إن هذه الآية وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لا تنطبق على جميع الصحابة، بدليل الآية التي بعدها وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ فهل هذا صحيح وكيف أرد عليهم؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقرابته الكرام من الفضائل ما سارت به الركبان، وصنفت فيه التصانيف، وفي القرآن المجيد من فضائلهم، آيات كثيرة، صرحت بفضلهم، وكرامتهم على الله سبحانه وتعالى.

ثانيًا:

قوله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار الآية  [التوبة: 100]:

ذهب جمهور العلماء إلى أن السابقين في قوله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار [سورة التوبة: 100] هم الذين أنفقوا من قبل فتح مكة وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة.

قال ابن تيمية، بعد أن قرر ما سبق: " وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين هم من صلى إلى القبلتين، وهذا ضعيف، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة ; ولأن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون به ; ولأن التفضيل بالصلاة إلى القبلتين لم يدل عليه دليل شرعي، كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة، ولكن فيه سبق الذين أدركوا ذلك على من لم يدركه، كما أن الذين أسلموا قبل أن تفرض الصلوات الخمس، هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم، والذين أسلموا قبل أن تجعل صلاة الحضر أربع ركعات، هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم، والذين أسلموا قبل أن يؤذن في الجهاد، أو قبل أن يفرض، هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل أن يفرض صيام شهر رمضان، هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل أن يفرض الحج، هم سابقون على من تأخر عنهم، والذين أسلموا قبل تحريم الخمر هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل تحريم الربا كذلك، فشرائع الإسلام من الإيجاب والتحريم كانت تنزل شيئا فشيئا، وكل من أسلم قبل أن تشرع شريعة فهو سابق على من تأخر عنه، وله بذلك فضيلة، ففضيلة من أسلم قبل نسخ القبلة على من أسلم بعده هي من هذا الباب.

وليس مثل هذا مما يتميز به السابقون الأولون عن التابعين، إذ ليس بعض هذه الشرائع بأولى بجعله خيرا من بعض ; ولأن القرآن والسنة قد دلا على تقديم أهل الحديبية، فوجب أن تفسر هذه الآية بما يوافق سائر النصوص.

وقد علم بالاضطرار أنه كان في هؤلاء السابقين الأولين أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير، وبايع النبي - صلى الله عليه وسلم -بيده عن عثمان ; لأنه كان غائبا قد أرسله إلى أهل مكة ليبلغهم رسالته، وبسببه بايع النبي - صلى الله عليه وسلم الناس لما بلغه أنهم قتلوه" منهاج السنة: (2/ 24 - 28)، وانظر:  مجموعة الرسائل والمسائل، رشيد رضا: (1/ 38).

وهذه الآية المباركة من سورة التوبة، وسورة التوبة مدنية باتفاق العلماء ، وهي من أواخر السور التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة .

ثالثًا:

أثنى الله تعالى على أصحاب النبي ثناءً يحمل في طياته وصفهم بجميل الخصال، ونعتهم برضي السجايا، وقد ذكرهم الله تعالى بجميل صفاتهم في أعظم الكتب السماوية السابقة ، كالتوراة والإنجيل .

وهذه آية عظيمة جليلة القدر في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، يقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا * مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 29].

قال الإمام مالك: " من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أصابته الآية .

وقال: من انتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له في الفيء شيء".

وقد ذكر الله في هذه الآية وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وما أودعه الله في قلوبهم من الشدة على الكافرين، والرحمة للمؤمنين، ترى أصحاب محمد تارة رُكَّعًا ، وتارة سُجَّدًا، يلتمسون بذلك من فعلهم في ركوعهم وسجودهم وغلظتهم على الكفار، ورحمة بعضهم لبعض، فضلًا من الله أن يدخلهم في رحمته ويرضى عنهم، أثرُ صلاتهم تبدو في وجوههم، ذلك مثلهم في التوراة.

وشبههم الله في الإنجيل بالزرع الذي أخرج فراخه، وذلك أنهم في أول دخولهم الإسلام كانوا عددًا قليلًا كالزرع في أول ما يخرج، ثم جعلوا يتزايدون ويكثرون، كالزرع إذا أخرج فراخه، فكثر وعظم بها، ونما، فيكون الأصل ثلاثين وأربعين وأكثر بالفراخ ، فكذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا قليلًا ثم تزايدوا وكثروا.

فكانت هذه صفتهم في التوراة والإنجيل من قبل أن يخلق الله السماوات والأرض ، فكان مثلهم في التوراة غير مثلهم في الإنجيل، هذا قول أكثر المفسرين، وهو اختيار الطبري، وروى عن مجاهد أنه قال: المثلان منصوصان فيهم في التوراة والإنجيل.

وقوله: فَآزَرَهُ أي: قواه، يعني فقوى الشطء الزرع، وذلك أن الزرع أول ما يخرج رقيق الأصل ضعيفًا، فإذا أخرج فراخه غلظ، فكذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا قلة ضعفاء ومستضعفين، فلما كثروا وتقووا قتلوا المشركين.

ثم قال: فاستغلظ أي: فاستوى الزرع على سوقه، لما غلظ وتقوى بخروج الفراخ.

والسوق جمع ساق، وسوقه: أصوله.

فاستوى على سُوقِهِ أي: تلاحق الفراخ بالأصول فاستوى جميع ذلك، كما تلاحق من آمن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم ببعض، فاستوى جميعهم في الإيمان.

ثم قال: يُعْجِبُ الزراع لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار أي: يعجب هذا الزارع حين استغلظ واستوى على سوقه، فحسن عند زارعيه.

وقوله: لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار فاللام متعلقة بمحذوف، والتقدير: فعل ذلك بهم ليغيظ بهم الكفار، فالمعنى : فعل ذلك بمحمد وأصحابه ليغيظ الكفار.

ثم قال: وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات الآية.

أي: وعد الله الذين صدقوا محمدًا وعملوا الأعمال الصالحات من أصحاب محمد أجرًا عظيمًا ففضلهم بذلك على غيرهم .

و " (مِنْ) ها هنا لِبيان الجنس، لأن لفظةَ "بعضٍ" لا تَصلُحُ مكانَها.

فما أكرمَ قومًا ذُكِروا في التَّوراة والإنجيل والقرآن، وَوُصفوا بالسَّبق والهجرة والنُّصْرَة والإيمان، أولئك أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين صَدَعتْ مَمادحُ الوحي قرآنًا وسُنَّةً، بأنَّهم خيرُ الناس وخيرُ القرون، وخيرُ أُمَّة" .

فهذه الآية: " شاملة لجميع الصحابة رضي الله عنهم، لأن كل من أقام معه صلى الله عليه وسلم ساعة ثبت اتصافه بأنه ممن معه، فكان المدح في الآية شاملًا للكل رضي الله عنهم ".

انظر: آثار الشيخ المعلمي: (25/ 27 - 31)، والموطأ: (1/ 255)، والهداية، لمكي: (11/ 6974)، وتفسير البغوي: (7/ 323)، زاد المسير: (4/ 138)، والعواصم والقواصم: (1/ 180)، وتحقيق منيف الرتبة: (64).

رابعًا:

وقوله تعالى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) [سورة: التوبة].

إن الناظر في كتاب الله تعالى ليرى تميز أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سائر أصناف الناس غيرهم، فكانت لهم صفات ميزتهم عن (أهل الشرك، وأهل النفاق).

قال ابن تيمية: " فلا ريب أن المنافقين كانوا مغمورين أذلاء مقهورين، لا سيما في آخر أيام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي غزوة تبوك ; لأن الله تعالى قال: يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون [سورة المنافقين: 8]، فأخبر أن العزة للمؤمنين لا للمنافقين، فعلم أن العزة والقوة كانت في المؤمنين، وأن المنافقين كانوا أذلاء بينهم.

فيمتنع أن يكون الصحابة الذين كانوا أعز المسلمين من المنافقين، بل ذلك يقتضي أن من كان أعز كان أعظم إيمانا، ومن المعلوم أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار - الخلفاء الراشدين وغيرهم - كانوا أعز الناس، وهذا كله مما يبين أن المنافقين كانوا ذليلين في المؤمنين، فلا يجوز أن يكون الأعزاء من الصحابة منهم ".

فليعلم أن أهل النفاق لا يتداخلون مع صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن لكل فريق منهم ما يميزه عن الآخر:

1- فقد وصف الله الصحابة بصفات تميزهم عن المنافقين، ووصف المنافقين بصفات يعرفون بها.

ومما يدل على المباعدة بين الفريقين، ما ذكره الله في قوله: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) [سورة: النساء].

ففي الآيات الكريمة ذكر فريقين، متربص، ومتربَّص به، وقال تعالى: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) [سورة: التوبة].

فهذه الآيات، وغيرها يدل على أن أهل النفاق قوم يتميزون عن أهل الإيمان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

2- ومما يدل على اختلاف الفريقين، ما ذكره الله تعالى من كيد المنافقين لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) [سورة: المنافقون].

3- بل كان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون أهل النفاق، كما قال كعب بن مالك، " فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم، أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ". رواه البخاري: (4418)، ومسلم: (2769).

قال المعلمي: "وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في الجملة قبل تبوك، ثم تأكَّد ذلك بتخلُّفهم لغير عذر وعدم توبتهم، ثم نزلت سورة براءة فقَشْقَشَتْهم، وبهذا يتضح أنهم قد كانوا مشارًا إليهم بأعيانهم قبل وفاة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فأما قول الله عزَّ وجلَّ: لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [التوبة: 101].

فالمراد - والله أعلم – بالعلم: ظاهره؛ أي اليقين، وذلك لا ينفي كونهم مغموصين أي مُتَّهمين، غاية الأمر أنه يحتمل أن يكون في المتَّهمين مَنْ لم يكن منافقًا في نفس الأمر، وقد قال تعالى: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد: 30]، ونصَّ في سورة براءة وغيرها على جماعةٍ منهم بأوصافهم، وعيَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جماعةً منهم، فمن المحتمل أن الله عزَّ وجلَّ بعد أن قال: لَا تَعْلَمُهُمْ، أعْلَمَه بهم كلّهم.

وعلى كلِّ حال فلم يمت النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلا وقد عرفَ أصحابُه المنافقين؛ يقينًا، أو ظنًّا، أو تهمة، ولم يبق أحد من المنافقين غير متهم بالنفاق.

ومما يدل على ذلك، وعلى قِلَّتهم وذلّتهم وانقماعهم ونُفْرة الناس عنهم: أنه لم يحس لهم عند وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حراك.

ولما كانوا بهذه المثابة لم يكن لأحد منهم مجال في أن يحدِّث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه يعلم أن ذلك يُعرِّضه لزيادة التهمة، ويَجُرُّ إليه ما يكره.

وقد سمَّى أهلُ السير والتاريخ جماعةً من المنافقين، لا يُعْرَف عن أحدٍ منهم أنه حدَّث عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وجميع الذين حدَّثوا كانوا معروفين بين الصحابة أنهم من خيارهم"، آثار المعلمي اليماني: (12/ 376).

وينظر : منهاج السنة: (2/ 45 - 46)، العواصم والقواصم: (3/ 293)، والروض الباسم: (1/ 294 - 295).

ومن قدح في الصحابة رضي الله عنهم وانتقصهم ، فهو أحد رجلين : إما جاهل لا يعلم حقائق الأمور ، وإما في قلبه مرض ، وإلا .. فالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية في الثناء عليهم وذكر فضائلهم ومناقبهم لا تحصى كثرة ، بل سيرتهم رضي الله عنهم تدل على أنهم خير الناس بعد الأنبياء .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "العقيدة الواسطية" :

"وَمَنْ نَظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمِ وَبَصِيرَةٍ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْفَضَائِلِ: عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ خَيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ ، لَا كَانَ وَلَا يَكُونُ مِثْلُهُمْ ، وَأَنَّهُمْ هُمْ الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى" انتهى ، "مجموع الفتاوى" (3/156) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب