هل يصح حديث: (الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء)؟

19-12-2022

السؤال 393920

(الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ)، ما درجة هذا الحديث؟ البعض قال: أنّه ضعيف، وقال البعض الآخر: إنّه حسن.

ملخص الجواب:

هذا الأثر لا يصح سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما صح أنه من كلام أبي هريرة رضي الله عنه، وصح أيضا من كلام عمر رضي الله عنه. وينظر تفصيل ذلك وبيانه في الجواب المطول

الجواب

الحمد لله.

أولا:

هذا الأثر ورد:

من حديث عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ.

رواه الترمذي (797)، والإمام أحمد في "المسند" (31 / 290)، وغيرهما: عن سُفْيَان، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نُمَيْرِ بْنِ عَرِيبٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الغَنِيمَةُ البَارِدَةُ الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ).

وفي إسناده:

عَامِر بْن مَسْعُودٍ، وهو لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فالسند منقطع.

قال الترمذي عقب الحديث: "هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ؛ عَامِرُ بْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى.

وقال رحمه الله تعالى:

" سألت محمدا – أي البخاري - عن حديث أبي إسحاق، عن نمير بن عريب، عن عامر ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء ).

فقال: هو حديث مرسل، وعامر بن مسعود لا صحبة له، ولا سماع من النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من"العلل الكبير"(ص127).

ورواه البيهقي في "السنن الكبير" (9/ 112-112)، وقال:

"هذا مرسل". انتهى.

وفيه نُمَيْرِ بْنِ عَرِيبٍ: وهو مجهول.

قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:

" نمير بن عريب الهمداني روى عن عامر بن مسعود، روى عنه أبو إسحاق الهمداني سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: لا أعرف نمير بن عريب إلا في حديث: الصوم في الشتاء " انتهى. "الجرح والتعديل" (8/498).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" نمير بن عريب، عن عامر بن مسعود في صوم الشتاء: لا يعرف.

روى عنه أبو إسحاق " انتهى من"ميزان الاعتدال" (4/273).

وورد هذا الخبر من حديث جابر رضي الله عنه:

رواه ابن عدي في "الكامل" (4/180)، قال: حَدَّثَنَا أبو عَرُوبة، حَدَّثَنا عَبد الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ، حَدَّثَنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، عنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: (الصَّوْمُ فِي الشتاء الغنيمة الباردة).

وفي إسناده عبد الوهاب بن الضحاك، وهو متهم بالكذب.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

"عبد الوهاب بن الضحاك بن أبان، أبو الحارث الحمصي:

يروي عن إسماعيل بن عياش.

قال الأزدي: كان يكذب. وقال العقيلي، والنسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: كان يسرق الحديث، لا يحل الاحتجاج به. وقال الدارقطني: منكر الحديث" انتهى من"الضعفاء والمتروكون" (2/157).

وورد أيضا من حديث أنس رضي الله عنه:

رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (716)؛ قال:

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْحَرْمَلِيُّ الْأَنْطَاكِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الْحَلَبِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ).

ثم قال الطبراني عقبه: "لَمْ يَرْوِهِ عَنْ قَتَادَةَ إِلَّا سَعِيدٌ تَفَرَّدَ بِهِ الْوَلِيدُ".

والْوَلِيدُ وهو ابْنُ مُسْلِمٍ: مدلّس.

والمدلّس: " سُمِّيَ بذلك لكون الراوي لم يسم من حدثه، وأوهم سماعه للحديث ممن لم يحدثه به.

واشتقاقه من الدَّلَس وهو اختلاط الظلام بالنور، سمي بذلك لاشتراكهما في الخفاء.

ويرد المدلَّس بصيغة من صيغ الأداء تحتمل وقوع اللقي بين المدلِّس ومن أسند عنه كـ "عن" وكذا "قال" " انتهى من"نزهة النظر"(ص81) للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.

والوليد يدلّس أفحش تدليس، وهو: تدليس التسوية.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" ومنه ما يسمى "التسوية"، وهو أن يروي عن شيخ له ثقة، عن رجل ضعيف، عن ثقة، فيسقط الضعيف من الوسط.

وكان الوليد بن مسلم، وسنيد بن داود وغيرهما يفعلون ذلك " انتهى من"شرح علل الترمذي" (2/ 825).

ومثله لا يُقبل حديثه حتى يصرح بالتحديث ولا تكفي صيغة "عن".

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى

"وحكم من ثبت عنه التدليس إذا كان عدلا ألا يُقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث على الأصح " انتهى من"نزهة النظر" (ص81).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" الوليد بن مسلم الحافظ أبو العباس، عالم أهل الشام ... قلت: كان مدلسا فيُتَّقَى من حديثه ما قال فيه ( عن )" انتهى من "الكاشف"(2/355).

وقد روى الوليد هذا الحديث بصيغة "عن"، ولم يصرح بالتحديث، فلا تقبل روايته.

وسَعِيدٌ وهو ابْنِ بَشِيرٍ، ضعّفه جمع من أهل العلم، خاصة عند التفرد كحال هذا الحديث.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

"سعيد بن بشير، صاحب قتادة: وثقه شعبة، وقال البخاري: يتكلمون في حفظه. وقيل: كان قدريا. ضعّفه أبو مسهر، وابن المديني، وابن معين" انتهى من"المغني" (1/256).

وبيّن ابن أبي حاتم أن سعيد بن بشير أخطأ في رواية هذا الحديث، وأن الثقات خالفوه فرووه من قول أبي هريرة، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال رحمه الله تعالى:

" وسألت أبي، وأبا زرعة: عن حديث رواه سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ألا أخبركم بالغنيمة الباردة؟! الصوم في الشتاء)؟

قالا: هذا خطأ؛ رواه همام، والدستوائي، عن قتادة، عن أنس؛ قال: قال أبو هريرة ...

قلت لأبي: الخطأ ممن هو؟

قال: من سعيد بن بشير" انتهى من"العلل"(3/121).

فرواه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على كتاب "الزهد" (986) بإسناد رجاله ثقات، قال: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى غَنِيمَةٍ بَارِدَةٍ؟ قَالُوا: مَاذَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ).

وصح ما يشبهه من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/118) بإسناد صحيح رواته ثقات، قال: حَدَّثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: (الشِّتَاءُ غَنِيمَةُ).

وصححه محققو المصنف.

فالحاصل؛ أن هذا الأثر لا يصح سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما صح أنه من كلام أبي هريرة رضي الله عنه، وصح أيضا من كلام عمر رضي الله عنه.

والله أعلم.

الأحاديث الضعيفة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب