انتقال غبار إسمنت عجن بآلة متنجسة

29-08-2022

السؤال 352917

إذا كان الإسمنت أو الجبس رطبا متنجسا؛ لأنه عجن بأداة متنجسة، وقد ذهب أثر النجاسة عنها وبقي الحكم، ودست بالنعال على هذا الإسمنت، ثم دست على أرض مبتلة، فظهر أثر الإسمنت على الأرض، واختلط بماء قليل، لكن يزول هذا الأثر بالمسح، لكن بقي طبقة رقيقة مثل الغبار من الإسمنت، ثم جفت الأرض، وبقي أثر الإسمنت، ثم وضعت كرسيا على هذا الأثر، فعلق أثر الإسمنت برجل الكرسي، مع إن كل من الكرسي والأثر جافا، ثم وضعت الكرسي على السجاد، ولست متأكدا هل علق بعض الإسمنت على السجاد من رجل الكرسي، ثم دست بقدمي المبتلة على مكان الكرسي على السجاد. هل يطهر هذا الأثر بناء على القول بطهارة الأرض بالجفاف كما يطهر التراب، بحيث لو لمست أو لامست ملابسي المبتلة هذا الاثر لا تنتقل النجاسة إليها، أنا أعلم الخلاف بطهارة الأرض بالجفاف، وكذلك أحوال انتقال النجاسة، لكن هل الإسمنت وآثاره يعتبر من أجزاء الأرض مثل التراب؛ لأن أصله من الكلس والطين؟ أم يجب غسل قدمي، وغسل موضع الكرسي من السجاد؟

الجواب

الحمد لله.

ما ذكرته، هو من التشدد الذي نهانا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يصح هذا التصرف لأمور ثلاثة:

الأمر الأول:

أن انتقال النجاسة في مثل هذه الحال ضرب من الشك، والأصل في الأشياء الطهارة، فلا ينتقل عنها إلا بعلم بانتقال النجاسة، وأما مجرد الشك – كما في حالتك - فلا يلتفت إليه.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ:" أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاَةِ؟

فَقَالَ: لاَ يَنْفَتِلْ - أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ - حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا رواه البخاري(137)، ومسلم (361).

قال النووي رحمه الله تعالى:

" وقوله صلى الله عليه وسلم: ( حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا ) معناه يعلم وجود أحدهما، ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين.

وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها " انتهى من"شرح صحيح مسلم" (4/49).

وقال القرافي رحمه الله تعالى:

كل مشكوك فيه ليس بمعتبر، ويجب اعتبار الأصل السابق على الشك... " انتهى من"الذخيرة" (1/ 218–219).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" مع الشك فالأصل في ذلك الطهارة، والاحتياط في ذلك وسواس؛ فإن الرجل إذا أصابه ما يجوز أن يكون طاهرا ويجوز أن يكون نجسا لم يستحب له التجنب على الصحيح، ولا الاحتياط؛ فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر هو وصاحب له بميزاب فقطر على صاحبه منه ماء. فقال صاحبه: يا صاحب الميزاب ماؤك طاهر أو نجس؟ فقال عمر: ( يا صاحب الميزاب لا تخبره فإن هذا ليس عليه ) " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/521).

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (5/365):

" الأصل في الأشياء الطهارة فلا يحكم على شيء أو محل بأنه نجس إلا بدليل يدل على أن هذا الشيء نجس، وأن هذه النجاسة المنصوص عليها موجودة في هذا المحل، وإذا لم يتحقق هذان الأمران فإن المسلم يصلي وتكون صلاته صحيحة.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عبد الله بن غديان، عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.

الأمر الثاني:

أن الشيء الجاف إذا لاقى نجاسة جافة فالأصل أنها لا تنتقل إليه.

نقل السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه "الأشباه والنظائر"(ص 432)، قاعدة تنص على أنّ:

" النجس إذا لاقى شيئا طاهرا، وهما جافان: لا ينجسه" انتهى.

الأمر الثالث:

لو تيقنت انتقال النجاسة من الآلة إلى الأسمنت .. ثم إلى ما ذكرت ، فهي نجاسة يسيرة جدا، ومثل هذا يعفى عنه ولا يتشدد فيه، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (221756).

وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" عن طين جبل بزبل حمار، وطيّن به سطح فوقع عليه قطر فتعلق به ما حكمه؟

فأجاب:

، إن كان يسيرا عفي عنه. في أحد قولي العلماء. وهو إحدى الروايات عن أحمد لا سيما إذا كان الزبل قد خلط بالطين الذي طين به السطح، فقد يكون قد استحال، وإن لم يستحل فالذي تعلق بالقطر شيء يسير" انتهى من "مجموع الفتاوى"(21/622).

والنصيحة لك أيها السائل أأن تعرض نفسك على طبيب نفسي مختص بعلاج الوسواس القهري، فإن الذي يظهر لنا من سؤالك حالة وسواس ظاهر، وتوهم لما لا حقيقة له.

فإن طمأنك الطبيب إلى صحتك النفسية، فأنت بحاجة إلى فقه في دين الله، وسعة أفق يعالج لك التنطع ، وفرط التشديد على النفس .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا" رواه مسلم(2670).

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم:(103889). 

والله أعلم.

إزالة النجاسة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب