هل النمص مختص بالحاجبين، وحكم حلق الحاجب أو قصه، وهل يجوز بإذن الزوج؟

20-05-2021

السؤال 349489

هل مذهب جمهور العلماء (الشافعية والحنفية والمالكية) على جواز النمص بما ليس فيه تبرج أو زيادة تحفيف خلافًا للإمام أحمد؟

ملخص الجواب:

النمص محرم تحريما شديدا. وجمهور الفقهاء على أن النمص المحرم يعم شعر الوجه كله، وذهب بعض أهل العلم إلى أن النمص خاص بشعر الحاجبين. وينظر الجواب المطول لمعرفة حكم النمص إذا كان بالحلق أو القص، وهل يجوز للزوجة النمص بإذن زوجها.   

الجواب

الحمد لله.

أولا:

تحريم النمص

النمص محرم تحريما شديدا، كما روى البخاري (4886)، ومسلم (2125) واللفظ له، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ.

قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ؟ 

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيْ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ!! 

فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ، لَقَدْ وَجَدْتِيهِ ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:  وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا 

قَالَتْ الْمَرْأَةُ: فَإِنِّي أَرَى شَيْئًا مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الْآنَ؟!

قَالَ: اذْهَبِي فَانْظُرِي. قَالَ: فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمْ تَرَ شَيْئًا. فَجَاءَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا. 

فَقَالَ: أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ، لَمْ نُجَامِعْهَا".

ثانيا:

مسائل متعلقة بالنمص وآراء الفقهاء فيها

اختلف الفقهاء في ثلاثة مسائل في هذا الباب، وهي:

الأولى: حقيقة النمص، وهل هو عام لشعر الوجه، أو خاص بالحاجبين؟

الثانية: هل النمص خاص بالنتف، أم يشمل القص والحلق؟

الثالثة: في حكم النمص إذا فعلته الزوجة بإذن زوجها.

ونحن نبين هذه المسائل على وجه الاختصار.

هل النمص خاص بالحاجبين أم عام لشعر الوجه

أما المسألة الأولى، فإن الجمهور على أن النمص المحرم يعم شعر الوجه كله، فيشمل الحاجبين وما بينهما، وما فوقهما، وما على الوجنتين وغير ذلك، إلا إن خرج لها شارب أو لحية فإنها تزيله.

قال ابن قدامة رحمه الله: "فأما النامصة: فهي التي تنتف الشعر من الوجه، والمتنمصة المنتوف شعرها بأمرها، فلا يجوز للخبر. وإن حلق الشعر، فلا بأس؛ لأن الخبر إنما ورد في النتف. نص على هذا أحمد." انتهى من "المغني" (1/ 107).

وقال في "كشاف القناع" (1/ 81): "(ويحرم نمص)، وهو نتف الشعر من الوجه." انتهى.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن النمص خاص بشعر الحاجبين، قال الإمام أبو داود في سننه بعد ذكر الحديث: "والنامصة التي تنقش الحاجب حتى تُرِقَّه، والمتنمصة المعمول بها." انتهى.

وقال ابن حجر في "الفتح" (10/ 377): "والمتنمصة التي تطلب النماص، والنامصة التي تفعله، والنماص: إزالة شعر الوجه بالمنقاش، ويسمى المنقاش منماصاً لذلك.

ويقال: إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترقيقهما وتسويتهما." انتهى.

وبهذا أفتت اللجنة الدائمة.

وفي استثناء اللحية والشارب، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/ 378): "وقال النووي: يستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة: فلا يحرم عليها إزالتها؛ بل يستحب. 

قلت: وإطلاقه مقيد بإذن الزوج، وعلمه؛ وإلا فمتى خلا عن ذلك: منع؛ للتدليس." انتهى.

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (14/ 82): "اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نَتْفَ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ دَاخِلٌ فِي نَمْصِ الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللَّهُ النَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ)..

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ إِذَا نَبَتَتْ لَهَا لِحْيَةٌ أَوْ شَوَارِبُ أَوْ عَنْفَقَةٌ: أَنْ تُزِيلَهَا، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ.

وَأَوْجَبَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَيْهَا - فِي الْمُعْتَمَدِ - أَنْ تُزِيلَهَا؛ لأِنَّ فِيهَا مُثْلَةً. أَمَّا ابْنُ جَرِيرٍ فَذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ.

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُزِيل شَعْرَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَظَهْرِهَا وَبَطْنهَا.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهَا؛ لأِنَّ فِي تَرْكِ هَذَا الشَّعْرِ مُثْلَةً.

يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل التَّنَمُّصُ، وَيُكْرَهُ لَهُ حَفُّ حَاجِبِهِ أَوْ حَلْقُهُ، وَيَجُوزُ لَهُ الأخْذُ مِنْهُ مَا لَمْ يُشْبِهِ الْمُخَنَّثِينَ" انتهى.

هل النمص يشمل النتف والقص والحلق؟

المسألة الثانية: هل النمص خاص بالنتف، أم يشمل القص والحلق؟

ذهب الحنابلة إلى أنه خاص بالنتف، وأجازوا القص والحف أو الحلق. سئل الإمام أحمد رحمه الله "عن النامصة والمتنمصة؟ فقال: هي التي تنتف الشعر؛ فأما الحلق فلا.

قيل له: فما تقول في النتف؟ قال: الحلق غير النتف. النتف تغيير. فرخص في الحلق." انتهى من الوقوف والترجل من "الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل"، للخلال، ص 157.

وجاء في " الموسوعة الفقهية " (14/ 82): "وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَفِّ وَالْحَلْقِ: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ الْحَفَّ فِي مَعْنَى النَّتْفِ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إلَى جَوَازِ الْحَفِّ وَالْحَلْقِ، وَأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ النَّتْفُ فَقَطْ." انتهى.

هل يجوز النمص بإذن الزوج؟

المسألة الثالثة: النمص إذا كان للزوجة بإذن زوجها. رخص في ذلك جماعة من الحنفية، وقيدوه بكون الشعر الذي في وجهها منفرا للزوج. وذهب الشافعية إلى ذلك، وجعلوا علة التحريم هي التدليس. وزاد المالكية، فرخصوا فيه لكل امرأة غير ممنوعة من الزينة، كالمتوفى عنها زوجها. وهو قول بعض الحنابلة كابن الجوزي. وينظر: "حاشية ابن عابدين" (5/ 239)، "حاشية العدوي على الرسالة" (2/ 459)، "الحاوي الكبير" (2/ 275)، "الفروع" (1/ 130).

وهذا لا يصح من وجوه:

الأول: أن النص بيّن العلة، وأنها: تغيير خلق الله، وليس التدليس.

الثاني: أن النمص والوشم والوصل من جنس واحد، وقد علل النبي صلى الله عليه وسلم تحريمه بعلة واحدة هي تغيير خلق الله لأجل الحُسن، وقد ثبت أنهﷺ لم يرخص للمتزوجة في وصل شعرها، مع إذن زوجها، بل وأمره لها بذلك.

فقد روى البخاري (5205)، واللفظ له، ومسلم (2123) عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ زَوَّجَتِ ابْنَتَهَا، فَتَمَعَّطَ شَعَرُ رَأْسِهَا، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ فِي شَعَرِهَا، فَقَالَ: (لاَ، إِنَّهُ قَدْ لُعِنَ المُوصِلاَتُ)".

الثالث: أن قول ابن مسعود: " أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نُجَامِعْهَا" أي لم نصاحبها، يشير إلى أن التحريم مطلق، وأنه غير موقوف على إذن الزوج؛ وإلا لقال للسائلة: قد أذنت لها في ذلك!!

الرابع: أن استدلالهم على أن العلة التدليس بما جاء عن عائشة رضي الله عنها، فإنه لا يثبت، ولو ثبت لم يكن دليلا على المدعى.

والأثر رواه ابن سعد في "الطبقات" (8/ 70) من طريق بكرة بنت عقبة: أنها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة فسألتها عن الحناء، فقالت: شجرة طيبة وماء طهور. وسألتها عن الحِفاف: فقالت لها: إن كان لك زوج، فاستطعت أن تنزعي مقلتيك، فتصنعيهما أحسن مما هما؛ فافعلي. وأورده الذهبي في ترجمة عائشة من "السير" (2/ 188).

وبكرة بنت عقبة لم يذكرها إلا ابن حبان، وهو معروف بتوثيق المجاهيل، ولذا قال محقق سير أعلام النبلاء: "رجاله ثقات خلا بكرة بنت عقبة، فإنها لا تعرف... والحفاف: إزالة الشعر من الوجه." انتهى.

وعليه؛ فهذا الإسناد لا يثبت. وعلى فرض ثبوته، فقد يقال: إن المراد بالحِفاف المذكور هنا: هو أخذ الشعر بالموسى، ويكون هذا الأثر حجة للحنابلة في جواز الحلق والقص، دون نتف الشعر.

قال في"لسان العرب" (9/ 50): " والمرأَة تَحُفُّ وَجْهها حَفّاً وحِفافاً: تُزِيلُ عَنْهُ الشعر بالمُوسَى وتَقْشِرُهُ [تَقْشُرُهُ]، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ." انتهى.

وفي "معجم لغة الفقهاء"، ص 182: "حفت المرأة وجهها: حلقت شعره بالموسى." انتهى.

ولهذا قال البعلي الحنبلي في "المطلع على ألفاظ المقنع"، 423 " الحفاف "بكسر الحاء": مصدر حفت المرأة وجهها من الشعر تحفه حفًّا وحفافًا، واحتفت مثله، والمحرم عليها إنما هو نتف شعر وجهها، فأما حفه، وحلقه، فمباح، نص عليه أصحابنا" انتهى.

الخامس: أن جعل التحريم مقصورا على ما كان فيه تدليس أو غش، تخصيص للنص بالعلة المستنبطة، وفيه خلاف بين الأصولين، وهو ممنوع في أحد قولي الشافعية والحنابلة. وينظر: "التحبير للمرداوي" (7/ 3266)، "البحر المحيط" (4/ 500).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (290806). ​

ولهذا ؛ فالصواب تحريم النمص، ولو أذن الزوج، بل إن أمر به فإنه لا يطاع. 

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/ 133):

"لا تجوز إزالة شعر الحاجب، لأن هذا هو النمص الذي لعن النبي ﷺ من فعله، وهو من تغيير خلق الله الذي هو من عمل الشيطان، ولو أمرها به زوجها فإنها لا تطيعه؛ لأنه معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة في المعروف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. 

وشعر الوجه لا يزال إلا إذا كان مشوها، كما لو نبت للمرأة شارب أو لحية فلا بأس بإزالتهما." انتهى.

وعلم من هذا أن غير المتزوجة يحرم عليها النمص، وهو قول جمهور الفقهاء.

ﻭﻓﻲ "ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺔ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ" ‏(14/ 81): ‏"وذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز التنمص لغير المتزوجة، وأجاز بعضهم لغير المتزوجة فعل ذلك إذا احتيج إليه لعلاج أو عيب، بشرط أن لا يكون فيه تدليس على الآخرين." انتهى.

والله أعلم.

الزينة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب