حول صحة حديث لحمتي مني ولو نتنه.

01-11-2020

السؤال 333903

أسأل عن حديث متناقل ونصه ( لحمتي مني ولو نتنه)، أو كلمات غير متشابهة، يستشهد به من كان نسله من صلى الله عليه وهم على معاصٍ، وقد يتركون الصلاة ويفعلون الكبائر، ويقولون نحن معه على ما نحن فيه ؟

ملخص الجواب:

هذا الحديث لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نعلم له إسنادا، ولا ذكرا أصلا. و أهل السنة يحبون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويوالونهم ، ويتقربون إلى الله بحبهم ، والطائع منهم جمع بين الفضلين ، فيُحَب من جهتين ، والعاصي منهم يبقى له أصل المودة لأجل القربى ، لكنه يُخشى عليه عقاب الله ، فإن ولاية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للمتقين ، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه .

الجواب

الحمد لله.

هذا الحديث لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نعلم له إسنادا، ولا ذكرا أصلا.

وأما هذه المسألة بخصوصها: فيحدث فيها الغلط لأجل الخلط بين كون الإنسان من آل البيت وكونه من أولياء النبي صلى الله عليه وسلم .

فكون المسلم ينتسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون من آل بيته : يوجب ذلك له المحبة والموالاة ، ويوجب له كذلك أحكاما خاصة كتحريم الصدقة ونحو ذلك .

وأما كون المسلم وليا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيشترط فيه التقوى والصلاح ، فكل تقي صالح فهو ولي لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن من آل بيته .

وأما إن كان نسبه يعود إلى آل بيته ، وكان فاسد العمل ، غير صالح في نفسه : فليس وليا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا ينفعه حينئذ نسبه .

وقد جاءت كثير من الأحاديث التي تثبت هذا المعنى ، من ذلك ما يلي :

ما رواه مسلم في "صحيحه" (215) ، من حديث عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ ، يَقُولُ:  أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي ، يَعْنِي فُلَانًا ، لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ  .

قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (1/600) :

" وحكمته في قوله: " إنما وليي الله وصالح المؤمنين " : فأفاد أنَّ أولياءه صالح المؤمنين وإن بَعُدَ نسبهم منه .

وأنَّ من ليس بمؤمنٍ ولا صالح : ليس له بولي ، وإن قرُبَ نسبه منه .

ودل الحديث : أن الولاية في الإسلام إنما هي بالموافقة فيه بخصال الديانة وزمام الشريعة ، لا بامتشاج النسب وشجنةِ الرحم ". 

وقال النووي في "شرح مسلم" (3/88) :" وَمَعْنَاهُ : إِنَّمَا وَلِيِّيَ مَنْ كَانَ صَالِحًا ، وَإِنْ بَعُدَ نسبه مِنِّي . وَلَيْسَ وَلِيِّي مَنْ كَانَ غَيْرُ صَالِحٍ ، وان كان نسبه قريبا ". 

وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (2/310) :" يشير إلى أنَّ ولايته لا تُنال بالنَّسب ، وإنْ قَرُبَ ، وإنَّما تُنالُ بالإيمان والعمل الصالح ، فمن كان أكملَ إيماناً وعملاً ، فهو أعظمُ ولاية له ، سواءٌ كانَ له منه نسبٌ قريب ، أو لم يكن ".

ومن هذه الأحاديث ما أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (212) ، من حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ خَرَجَ مَعَهُ يُوصِيهِ ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ:  إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي هَؤُلاءِ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِي ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْكُمُ الْمُتَّقُونَ ؛ مَنْ كَانُوا ، وحَيْثُ كَانُوا . اللَّهُمَّ إِنِّي لا أُحِلُّ لَهُمْ فَسَادَ مَا أَصْلَحْتُ . وايم والله لَتُكْفَأَنَّ أُمَّتِي عَنْ دِينِهَا ، كَمَا تكفأن الإناء في البطحاء  .

والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2497)

ومن ذلك أيضا ما أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (75) ، من حديث رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:" اجْمَعْ لِي قَوْمَكَ . فَجَمَعَهُمْ ، فَلَمَّا حَضَرُوا بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ: قَدْ جَمَعْتُ لَكَ قَوْمِي ، فَسَمِعَ ذَلِكَ الْأَنْصَارُ فَقَالُوا: قَدْ نَزَلَ فِي قُرَيْشٍ الْوَحْيُ ، فَجَاءَ الْمُسْتَمِعُ وَالنَّاظِرُ مَا يُقَالُ لَهُمْ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَقَالَ:  هَلْ فِيكُمْ مِنْ غَيْرِكُمْ؟  قَالُوا: نَعَمْ ، فِينَا حَلِيفُنَا وَابْنُ أُخْتِنَا وَمَوَالِينَا ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَلِيفُنَا مِنَّا ، وَابْنُ أُخْتِنَا مِنَّا ، وَمَوَالِينَا مِنَّا ، وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ: إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْكُمُ الْمُتَّقُونَ ، فَإِنْ كُنْتُمْ أُولَئِكَ فَذَاكَ ، وَإِلَّا فَانْظُرُوا ، لَا يَأْتِي النَّاسُ بِالْأَعْمَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَتَأْتُونَ بِالْأَثْقَالِ ، فَيُعْرَضَ عَنْكُمْ  ، ثُمَّ نَادَى فَقَالَ:   يَا أَيُّهَا النَّاسُ - وَرَفَعَ يَدَيْهِ يَضَعَهُمَا عَلَى رُءُوسِ قُرَيْشٍ - أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ قُرَيْشًا أَهْلُ أَمَانَةٍ ، مَنْ بَغَى بِهِمْ الْعَوَاثِرَ كَبَّهُ اللَّهُ لِمِنْخِرَيْهِ " ، يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " . والحديث حسنه الشيخ الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (55)

ومن ذلك ما أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (1012) ، من حديث أبي هريرة ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  إِنَّ أَوْلِيَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُتَّقُونَ ، وَإِنْ كَانَ نَسَبٌ أَقْرَبَ مِنْ نَسَبٍ ؛ لا يَأْتِي النَّاسُ بِالأَعْمَالِ وَتَأْتُونِي بِالدُّنْيَا تَحْمِلُونَهَا عَلَى رِقَابِكُمْ فَتَقُولُونَ يَا محمد! فأقول هكذا أو أعرض في عطفيه  .

والحديث حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (765)

وقد نقل البعلي في "مختصر الفتاوى المصرية" (566) عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، فقال :" ومن الاحكام ما يختص ببني هاشم ، أو بني هاشم مع بني المطلب ، دون سائر قريش ،  كالاستحقاق من خمس الغنائم ، وتحريم الصدقة ، ودخولهم في الصلاة إذا صلى على آل محمد، وثبوت المزية على غيرهم ...

وبكل حال ؛ فهذه الخصائص لا توجب أن يكون الرجل بنفسه أفضل من غيره لأجل نسبه المجرد ؛ بل التفاضل عند الله بالتقوى ، كما قال صلى الله عليه وسلم إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين .

فمن كان في الإيمان والتقوى أفضل ، كان عند الله أفضل ممن هو دونه في ذلك ، وأولاهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان غيره أقرب نسبا منه ، فإنه لا شك أن الولاية الإيمانية الدينية أعظم وأوثق صلة من القرابة النسبية ". اهـ.

وينظر: "جلاء الأفهام" ، لابن القيم (226) .

ومجرد انتساب المسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا ينجيه عند الله تعالى ، ولا يرفعه بذلك في الجنة إن لم يصحبه العمل الصالح .

ففي الحديث الذي أخرجه مسلم في "صحيحه" (2699) ، من حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :  وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ  .

وقول بعض من ينتسب لآل البيت أنه لا تضره كبائر الذنوب : قول باطل ، وتبطله الآيات والأحاديث الصحيحة .

فمن ذلك قوله سبحانه :  يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا  الأحزاب/30.

وهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما أنزل الله عليه قوله : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَالشعراء/ 214 ، قَالَ:  يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا   أخرجه البخاري في "صحيحه" (2753)، ومسلم (206)

وقد سُئل الشوكاني كما في "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني" (9/4469) سؤالا حول هذا المعنى :" حاصله : ما قيل من أن العصاة من أهل بيت النبوة لا يعاقبون على ما يرتكبون من الذنوب ، بل هم من أهل الجنة على كل حال ، تكريمًا وتشريفًا هل ذلك صحيح أم لا؟

فقال : لا شك ولا ريب أن أهل البيت المطهر لهم من المزايا والخصائص والمناقب ما ليس لغيرهم ، وقد جاءت الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية شاهدة لهم بما خصهم الله به من التشريف والتكريم ، والتجليل والتعظيم .

وأما القول برفع العقوبات عن عصاتهم ، وأنهم لا يخاطبون بما اقترفوه من المآثم ، ولا يطالبون بما جنوه من العظائم ، فهذه مقالة باطلة ليس عليها أثارة من علم ، ولم يصح في ذلك عن الله ولا عن رسوله حرف واحد ، وجميع ما أورده علماء السوء المتقربون إلى المتعلقين بالرياسات من أهل هذا البيت الشريف : فهو إما باطل موضوع ، أو خارج عن محل النزاع .

بل القرآن أعدل شاهد ، وأصدق دليل على رد قول كل مكابر جاحد ، فإنه قال عز وجل في نساء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ، وليس ذلك إلا لما لهن من رفعة القدر ، وشرافة المحل بالقرب من رسول الله  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأشرف قدرًا وأعلى محلاً وأكرم عنصرًا وأفخم ذكرًا ، ولو كان الأمر كما زعم هذا الزاعم ، لم يكن لقوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين معنى ، ولا كبير فائدة

وإذا كان المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لفاطمة البتول التي هي بضعة منه ، يغضبه ما يغضبها ويرضيه ما يرضيها: " يا فاطمة بنت محمد ، لا أغني عنك من الله شيئًا " ؛ فليت شعري من هذا من أولادها الذي خصه الله بما لم يخصها ، ورفعه إلى درجة قصرت عنها!

فأبعد الله علماء السوء ، وقلل عددهم! فإن العاصي من أهل هذا البيت الشريف المطهر، إذا لم يكن مستحقًا على معصيته مضاعفة العقوبة ؛ فأقل الأحوال أن يكون كسائر الناس .

فيا من شرفه الله بهذا النسب الشريف ، إياك أن تغتر بما ينمقه لك أهل التبديل والتحريف ". 

وختاما : فأهل السنة يحبون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويوالونهم ، ويتقربون إلى الله بحبهم ، والطائع منهم جمع بين الفضلين ، فيُحَب من جهتين ، والعاصي منهم يبقى له أصل المودة لأجل القربى ، لكنه يُخشى عليه عقاب الله ، فإن ولاية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للمتقين ، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه .

والله أعلم .

الأحاديث الضعيفة الآداب والأخلاق والرقائق
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب